كَانَ كِسْرَى قَدْ طَغَى لِكَثْرَةِ مَالِهِ وَمَا فَتَحَهُ مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ وَمُسَاعَدَةِ الْأَقْدَارِ وَشَرِهَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ، فَفَسَدَتْ قُلُوبُهُمْ.
وَقِيلَ: كَانَتْ لَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ امْرَأَةٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ آلَافِ امْرَأَةٍ، يَطَؤُهُنَّ، وَأُلُوفٌ جِوَارٍ، وَكَانَ لَهُ خَمْسُونَ أَلْفَ دَابَّةٍ، وَكَانَ أَرْغَبَ النَّاسِ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَوَانِي وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُحْصَى مَا جُبِيَ مِنْ خَرَاجِ بِلَادِهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ مِنْ مُلْكِهِ، فَكَانَ مِنَ الْوَرِقِ مِائَةُ أَلْفِ أَلْفِ مِثْقَالٍ وَعِشْرُونَ أَلْفَ أَلْفِ مِثْقَالٍ، وَإِنَّهُ احْتَقَرَ النَّاسَ وَأَمَرَ رَجُلًا اسْمُهُ زَاذَانُ بِقَتْلِ كُلِّ مُقَيَّدٍ فِي سُجُونِهِ، فَبَلَغُوا سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَلَمْ يُقْدِمْ زَاذَانُ عَلَى قَتْلِهِمْ، فَصَارُوا أَعْدَاءً لَهُ، وَكَانَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُنْهَزِمِينَ مِنَ الرُّومِ فَصَارُوا أَيْضًا أَعْدَاءً لَهُ، وَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى اسْتِخْلَاصِ بَوَاقِي الْخَرَاجِ، فَعَسَفَ النَّاسَ وَظَلَمَهُمْ، فَفَسَدَتْ نِيَّاتُهُمْ، وَمَضَى نَاسٌ مِنَ الْعُظَمَاءِ إِلَى بَابِلَ، فَأَحْضَرُوا وَلَدَهُ شِيرَوَيْهِ بْنِ أَبْرَوِيزَ، فَإِنَّ كِسْرَى كَانَ قَدْ تَرَكَ أَوْلَادَهُ بِهَا وَمَنَعَهُمْ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَجَعَلَ عِنْدَهُمْ مَنْ يُؤَدِّبُهُمْ، فَوَصَلَ إِلَى بَهْرَسِيرَ فَدَخَلَهَا لَيْلًا فَأَخْرَجَ مَنْ كَانَ فِي سُجُونِهَا، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَيْضًا الَّذِينَ كَانَ كِسْرَى أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَنَادَوْا قُبَاذَ شَاهِنْشَاهْ، وَسَارُوا حِينَ أَصْبَحُوا إِلَى رَحْبَةِ كِسْرَى، فَهَرَبَ حَرَسُهُ، خَرَجَ كِسْرَى إِلَى بُسْتَانٍ قَرِيبٍ مِنْ قَصْرِهِ هَارِبًا فَأُخِذَ أَسِيرًا، وَمَلَّكُوا ابْنَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهِ يَقْرَعُهُ بِمَا كَانَ مِنْهُ، ثُمَّ قَتَلَتْهُ الْفُرْسُ وَسَاعَدَهُمُ ابْنُهُ، وَكَانَ مُلْكُهُ ثَمَانِيًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
وَلِمُضِيِّ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا هَاجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
قِيلَ: وَكَانَ لِكِسْرَى أَبْرَوِيزَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَلَدًا، وَكَانَ أَكْبَرَهُمْ شَهْرِيَارُ، وَكَانَتْ شِيرِينُ قَدْ تَبَنَّتْهُ، فَقَالَ الْمُنَجِّمُونَ لِكِسْرَى: إِنَّهُ سَيُولَدُ لِبَعْضِ وَلَدِكَ غُلَامٌ يَكُونُ خَرَابُ هَذَا الْمَجْلِسِ وَذَهَابُ الْمُلْكِ عَلَى يَدَيْهِ، وَعَلَامَتُهُ نَقْصٌ فِي بَعْضِ بَدَنِهِ، فَمَنَعَ وَلَدَهُ عَنِ النِّسَاءِ لِذَلِكَ حَتَّى شَكَا شَهْرِيَارُ إِلَى شِيرِينَ الشَّبَقَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَةً كَانَتْ تُحَجِّمُهَا، وَكَانَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute