وَحَوَاشِيهِ، حَتَّى الْمُغَنِّينَ وَالْمُخَنَّثِينَ، وَنَهَبُوا صِيَاغَاتٍ أَخْرَجَهَا جَلَالُ الدَّوْلَةِ لِتُضْرَبَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ، وَتُفَرَّقَ فِيهِمْ وَحَصَرُوا جَلَالَ الدَّوْلَةِ فِي دَارِهِ، وَمَنَعُوهُ الطَّعَامَ وَالْمَاءَ حَتَّى شَرِبَ أَهْلُهُ مَاءَ الْبِئْرِ، وَأَكَلُوا ثَمَرَةَ الْبُسْتَانِ. فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُمَكِّنُوهُ مِنَ الِانْحِدَارِ، فَاسْتَأْجَرُوا لَهُ وَلِأَهْلِهِ وَأَثْقَالِهِ سُفُنًا، فَجَعَلَ بَيْنَ الدَّارِ وَالسُّفُنِ سُرَادِقًا لِتَجْتَازَ حُرَمُهُ فِيهِ، لِئَلَّا يَرَاهُمُ الْعَامَّةُ وَالْأَجْنَادُ فَقَصَدَ بَعْضُ الْأَتْرَاكِ السُّرَادِقَ، فَظَنَّ جَلَالُ الدَّوْلَةِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْحُرَمَ، فَصَاحَ بِهِمْ يَقُولُ لَهُمْ: بَلَغَ أَمْرُكُمْ إِلَى الْحُرَمِ! وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ، وَبِيَدِهِ طَبَرٌ، فَصَاحَ صِغَارُ الْغِلْمَانِ وَالْعَامَّةِ: جَلَالُ الدَّوْلَةِ يَا مَنْصُورُ، وَنَزَلَ أَحَدُهُمْ عَنْ فَرَسِهِ وَأَرْكَبَهُ إِيَّاهُ، وَقَبَّلُوا الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَلَمَّا رَأَى قُوَّادُ الْأَتْرَاكِ ذَلِكَ هَرَبُوا إِلَى خِيَامِهِمْ بِالرَّمْلَةِ، وَخَافُوا عَلَى نُفُوسِهِمْ، وَكَانَ فِي الْخِزَانَةِ سِلَاحٌ كَثِيرٌ، فَأَعْطَاهُ جَلَالُ الدَّوْلَةِ أَصَاغِرَ الْغِلْمَانِ وَجَعَلَهُمْ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ لِيُصْلِحَ الْأَمْرَ مَعَ أُولَئِكَ الْقُوَّادِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الْخَلِيفَةُ الْقَادِرُ بِاللَّهِ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ جَلَالِ الدَّوْلَةِ، وَحَلَفُوا، فَقَبَّلُوا الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَرَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ، فَلَمْ يَمْضِ غَيْرُ أَيَّامٍ حَتَّى عَادُوا إِلَى الشَّغَبِ، فَبَاعَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ فَرْشَهُ وَثِيَابَهُ وَخِيَمَهُ وَفَرَّقَ ثَمَنَهُ فِيهِمْ حَتَّى سَكَنُوا.
ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدَّيْلَمِ وَالْأَتْرَاكِ بِالْبَصْرَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلِيَ النَّفِيسُ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَرْدَشِيرَ الْبَصْرَةَ، اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهَا جَلَالُ الدَّوْلَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْمَشَانِ مُنْحَدِرًا إِلَيْهَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّيْلَمِ الَّذِينَ بِالْمَشَانِ وَقْعَةٌ فَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِمْ وَقَتَلَ مِنْهُمْ.
وَكَانَتِ الْفِتَنُ بِالْبَصْرَةِ بَيْنَ الْأَتْرَاكِ وَالدَّيْلَمِ، وَبِهَا الْمَلِكُ الْعَزِيزُ أَبُو مَنْصُورِ [بْنُ] جَلَالِ الدَّوْلَةِ، فَقَوِيَ الْأَتْرَاكُ بِهَا فَأَخْرَجُوا الدَّيْلَمَ، فَمَضُوا إِلَى الْأُبُلَّةِ، وَصَارُوا مَعَ بَخْتَيَارَ بْنِ عَلِيٍّ، فَسَارَ إِلَيْهِمُ الْمَلِكُ الْعَزِيزُ بِالْأُبُلَّةِ لِيُعِيدَهُمْ وَيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَتْرَاكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute