ذِكْرُ عِصْيَانِ زِنَاتَةَ وَمُحَارَبَتِهِمْ بِإِفْرِيقِيَّةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تَجَمَّعَتْ زِنَاتَةُ وَعَاوَدَتِ الْخِلَافَ عَلَى الْمُعِزِّ بِإِفْرِيقِيَّةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُعِزَّ، فَجَمَعَ عَسَاكِرَهُ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ، فَالْتَقَوْا بِمَوْضِعٍ يُعْرَفُ بِحَمْدِيسِ الصَّابُونِ، وَوَقَعَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَانْهَزَمَتْ زِنَاتَةُ وَقُتِلَ مِنْهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَأُسَرِ مِثْلُهُمْ، وَعَادَ الْمُعِزُّ ظَافِرًا غَانِمًا.
ذِكْرُ مَا فَعَلَهُ يَمِينُ الدَّوْلَةِ وَوَلَدُهُ بَعْدَهُ بِالْغُزِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوْقَعَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ بِالْأَتْرَاكِ الْغُزِّيَّةِ، وَفَرَّقَهُمْ فِي بِلَادِهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَفْسَدُوا فِيهَا، وَهَؤُلَاءِ كَانُوا أَصْحَابَ أَرْسَلَانَ بْنِ سَلْجُوقَ التُّرْكِيِّ، وَكَانُوا بِمَفَازَةِ بُخَارَى، فَلَمَّا عَبَرَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ النَّهْرَ إِلَى بُخَارَى هَرَبَ عَلَيُّ تِكِينَ صَاحِبُهَا مِنْهُ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
وَحَضَرَ أَرْسَلَانُ بْنُ سَلْجُوقَ عِنْدَ يَمِينِ الدَّوْلَةِ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَسَجَنَهُ بِبِلَادِ الْهِنْدِ، وَأَسْرَى إِلَى خَرْكَاهَاتِهِ، فَقَتَلَ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَسَلِمَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَهَرَبُوا مِنْهُ وَلَحِقُوا بِخُرَاسَانَ فَأَفْسَدُوا فِيهَا، وَنَهَبُوا هَذِهِ السَّنَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا فَسَبَوْهُمْ وَأَجْلَوْهُمْ عَنْ خُرَاسَانَ، فَسَارَ مِنْهُمْ أَهْلُ أَلْفَيْ خَرْكَاةَ، فَلَحِقُوا بِأَصْبَهَانَ، فَكَتَبَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ إِلَى عَلَاءِ الدَّوْلَةِ بِإِنْفَاذِهِمْ، أَوْ إِنْفَاذِ رُءُوسِهِمْ فَأَمَرَ نَائِبَهُ أَنْ يَعْمَلَ طَعَامًا وَيَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ وَيَقْتُلَهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ إِثْبَاتَ أَسْمَائِهِمْ لِيَسْتَخْدِمَهُمْ، وَكَمَنَ الدَّيْلَمُ فِي الْبَسَاتِينِ فَحَضَرَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَلَقِيَهُمْ مَمْلُوكٌ تُرْكِيٌّ لِعَلَاءِ الدَّوْلَةِ، فَأَعْلَمَهُمُ الْحَالَ، فَعَادُوا، فَأَرَادَ نَائِبُ عَلَاءِ الدَّوْلَةِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنَ الْعَوْدِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، فَحَمَلَ دَيْلَمِيُّ مِنْ قُوَّادِ الدَّيْلَمِ عَلَى إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، فَرَمَاهُ التُّرْكِيُّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ.
وَوَقَعَ الصَّوْتُ بِذَلِكَ، فَخَرَجَتِ الدَّيْلَمُ وَانْضَافَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْبَلَدِ، فَجَرَى بَيْنَهُمْ حَرْبٌ، فَهَزَمُوهُمْ، فَقَلَعَ التُّرْكُ خَرْكَاهَاتِهِمْ وَسَارُوا، وَلَمْ يَجْتَازُوا عَلَى قَرْيَةٍ إِلَّا نَهَبُوهَا إِلَى أَنْ وَصَلُوا إِلَى وَهْسُوذَانَ بِأَذْرَبِيجَانَ، فَرَاعَاهُمْ وَتَفَقَّدَهُمْ.
وَبَقِيَ بِخُرَاسَانَ أَكْثَرُ مِمَّنْ قَصَدَ أَصْبَهَانَ، فَأَتَوْا جَبَلَ بَلْجَانَ وَهُوَ الَّذِي عِنْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute