للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِمْ وَنَكِلُ أَمْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ أَخْرَجْتَهُمْ مِنْ مَحْبَسِهِمْ عَصَيْتَ رَبَّكَ، وَلِتَجِدَنَّ غِبَّ ذَلِكَ.

أَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّا جَمَعْنَا الْأَمْوَالَ، وَأَنْوَاعَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَمْتِعَةَ بِأَعْنَفِ جَمْعٍ وَأَشَدِّ إِلْحَاحٍ، فَاعْلَمْ أَيُّهَا الْجَاهِلُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُقِيمُ الْمُلْكَ بَعْدَ اللَّهِ تَعَالَى الْأَمْوَالُ وَالْجُنُودُ، وَخَاصَّةً مُلْكُ فَارِسَ الَّذِي قَدِ اكْتَنَفَهُ الْأَعْدَاءُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى كَفِّهِمْ وَرَدْعِهِمْ عَمَّا يُرِيدُونَهُ إِلَّا بِالْجُنُودِ وَالْأَسْلِحَةِ وَالْعُدَدِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِالْمَالِ، وَقَدْ كَانَ أَسْلَافُنَا جَمَعُوا الْأَمْوَالَ وَالسِّلَاحَ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَأَغَارَ الْمُنَافِقُ بَهْرَامُ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا الْيَسِيرَ، فَلَمَّا ارْتَجَعْنَا مُلْكَنَا وَأَذْعَنَ لَنَا الرَّعِيَّةُ بِالطَّاعَةِ، أَرْسَلْنَا إِلَى نَوَاحِي بِلَادِنَا أَصْبَهْبَذِينَ وَقَامَرْسَانِينَ، فَكَفُّوا الْأَعْدَاءَ وَأَغَارُوا عَلَى بِلَادِهِمْ، وَوَصَلَ إِلَيْنَا غَنَائِمُ بِلَادِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ وَالْأَمْتِعَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّكَ هَمَمْتَ بِتَفْرِيقِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ عَلَى رَأْيِ الْأَشْرَارِ الْمُسْتَوْجِبِينَ لِلْقَتْلِ، وَنَحْنُ نُعْلِمُكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ لَمْ تَجْتَمِعْ إِلَّا بَعْدَ الْكِدِّ وَالتَّعَبِ وَالْمُخَاطَرَةِ بِالنُّفُوسِ، فَلَا تَفْعَلْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا كَهْفُ مُلْكِكَ وَبِلَادِكَ وَقُوَّةٌ عَلَى عَدُوِّكَ.

فَلَمَّا انْصَرَفَ أُسْتَاذُ خُشْنَشْ إِلَى شِيرَوَيْهِ قَصَّ عَلَيْهِ جَوَابَ أَبِيهِ، ثُمَّ إِنَّ عُظَمَاءَ الْفُرْسِ عَادُوا إِلَى شِيرَوَيْهِ فَقَالُوا: إِمَّا أَنْ تَأْمُرَ بِقَتْلِ أَبِيكَ وَإِمَّا أَنْ نُطِيعَهُ وَنَخْلَعَكَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ وَانْتَدَبَ لِقَتْلِهِ رِجَالًا مِمَّنْ وَتِرَهُمْ كِسْرَى أَبْرَوِيزُ، وَكَانَ الَّذِي بَاشَرَ قَتْلَهُ شَابٌّ يُقَالُ لَهُ مِهْرَهُرْمُزُ بْنُ مَرْدَانْشَاهْ مِنْ نَاحِيَةِ نِيمَرُوذَ.

فَلَمَّا قُتِلَ شَقَّ شِيرَوَيْهِ ثِيَابَهُ وَبَكَى وَلَطَمَ وَجْهَهُ، وَحُمِلَتْ جِنَازَتُهُ وَتَبِعَهَا الْعُظَمَاءُ وَأَشْرَافُ النَّاسِ، فَلَمَّا دُفِنَ أَمَرَ شِيرَوَيْهِ بِقَتْلِ مِهْرَهُرْمُزَ قَاتِلِ أَبِيهِ. وَكَانَ مُلْكُهُ ثَمَانِيًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً.

ثُمَّ إِنَّ شِيرَوَيْهِ قَتَلَ إِخْوَتَهُ، فَهَلَكَ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَخًا ذَوُو شَجَاعَةٍ وَأَدَبٍ، بِمَشُورَةِ وَزِيرِهِ فَيْرُوزَ.

وَابْتُلِيَ شِيرَوَيْهِ بِالْأَمْرَاضِ، وَلَمْ يَلْتَذَّ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَكَانَ هَلَاكُهُ بِدَسْكَرَةِ الْمُلْكِ، وَجَزِعَ بَعْدَ قَتْلِ إِخْوَتِهِ جَزَعًا شَدِيدًا.

وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي مِنْ قَتْلِ إِخْوَتِهِ دَخَلَتْ عَلَيْهِ بُورَانُ وَآزَرْمِيدُخْتَ أُخْتَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>