أَذْرَبِيجَانَ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْمُقَامُ بِهَا لِمَا فَعَلُوا بِأَهْلِهَا، وَلِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ يَنَالَ وَرَاءَهُمْ، وَكَانُوا يَخَافُونَهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَهُ وَلِأَخَوَيْهِ طُغْرُلْبَكَ وَدَاوُدَ رَعِيَّةً، فَأَخَذُوا بَعْضَ الْأَكْرَادِ، وَعَرَّفَهُمُ الطَّرِيقَ، فَأَخَذَ بِهِمْ فِي جِبَالٍ وَعْرَةٍ عَلَى الزَّوَزَانِ، وَخَرَجُوا إِلَى جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ، فَسَارَ بُوقَا وَنَاصْغُلِي وَغَيْرُهُمَا إِلَى دِيَارِ بَكْرٍ، وَنَهَبُوا قَرَدَى، وَبَازْبَدَى، وَالْحَسَنِيَّةَ، وَفِيشَابُورَ وَبَقِيَ مَنْصُورُ بْنُ غَزْغَلِي بِالْجَزِيرَةِ مِنَ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ.
فَرَاسَلَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ نَصْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ مَرْوَانَ الْمُقِيمُ بِالْجَزِيرَةِ فِي الْمُصَالَحَةِ وَالْمُقَامِ بِأَعْمَالِ الْجَزِيرَةِ إِلَى أَنْ يَنْكَشِفَ الشِّتَاءُ، وَيَسِيرَ مَعَ بَاقِي الْغُزِّ إِلَى الشَّامِ، فَتَصَالَحَا وَتَحَالَفَا، وَأَضْمَرَ سُلَيْمَانُ الْغَدْرَ بِهِ، فَعَمِلَ لَهُ طَعَامًا احْتَفَلَ فِيهِ وَدَعَاهُ، فَلَمَّا دَخَلَ الْجَزِيرَةَ قَبَضَ عَلَيْهِ وَحَبَسَهُ، وَانْصَرَفَ أَصْحَابُهُ مُتَفَرِّقِينَ فِي كُلِّ جِهَةٍ.
فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ قِرْوَاشٌ سَيَّرَ جَيْشًا كَثِيفًا إِلَيْهِمْ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُمُ الْأَكْرَادُ الْبَشْنَوِيَّةُ، أَصْحَابُ فَنَكَ وَعَسْكَرُ نَصْرِ الدَّوْلَةِ فَتَبِعُوا الْغُزَّ، فَلَحِقُوهُمْ وَقَاتَلُوهُمْ، فَبَذَلَ الْغُزُّ جَمِيعَ مَا غَنِمُوهُ عَلَى أَنْ يُؤَمِّنُوهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَاتَلُوا قِتَالَ مَنْ [لَا] يَخَافُ الْمَوْتَ، فَجَرَحُوا مِنَ الْعَرَبِ كَثِيرًا، وَافْتَرَقُوا.
وَكَانَ بَعْضُ الْغُزِّ قَدْ قَصَدَ نَصِيبِينَ وَسِنْجَارَ لِلْغَارَةِ، فَعَادُوا إِلَى الْجَزِيرَةِ وَحَصَرُوهَا، وَتَوَجَّهَتِ الْعَرَبُ إِلَى الْعِرَاقِ لِيَشْتُوا بِهِ، فَأَخْرَبَتِ الْغُزُّ دِيَارَ بَكْرٍ، وَنَهَبُوا وَقَتَلُوا، فَأَخَذَ نَصْرُ الدَّوْلَةِ مَنْصُورًا (أَمِيرَ الْغُزِّ) مِنِ ابْنِهِ سُلَيْمَانَ وَرَاسَلَ الْغُزَّ، وَبَذَلَ لَهُمْ مَالًا، وَإِطْلَاقَ مَنْصُورٍ لِيُفَارِقُوا عَمَلَهُ، فَأَجَابُوهُ، فَأَطْلَقَ مَنْصُورًا، وَأَرْسَلَ بَعْضَ الْمَالِ فَغَدَرُوا، وَزَادُوا فِي الشَّرِّ، وَسَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَصِيبِينَ وَسِنْجَارَ وَالْخَابُورِ، فَنَهَبُوا وَعَادُوا وَسَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى جُهَيْنَةَ وَأَعْمَالِ الْفَرَجِ فَنَهَبُوهَا، فَدَخَلَ قِرْوَاشٌ الْمَوْصِلَ خَوْفًا مِنْهُمْ.
ذِكْرُ مُلْكِ الْغُزِّ مَدِينَةَ الْمَوْصِلِ
لَمَّا خَرَجُوا مِنْ أَذْرَبِيجَانَ إِلَى جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِ نَصْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute