للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَعْتَذِرُ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ التُّرْكُمَانَ كَانُوا لَنَا عَبِيدًا، وَخَدَمًا، وَرَعَايَا، وَتَبَعًا، يَمْتَثِلُونَ الْأَمْرَ، وَيَخْدِمُونَ الْبَابَ، وَلَمَّا نَهَضْنَا لِتَدْبِيرِ خُطَبِ آلِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ وَانْتُدِبْنَا لِكِفَايَةِ أَمْرِ خُوَارَزْمَ، انْحَازُوا إِلَى الرَّيِّ فَعَاثُوا فِيهَا، وَأَفْسَدُوا، فَزَحَفْنَا بِجُنُودِنَا مِنْ خُرَاسَانَ إِلَيْهِمْ مُقَدِّرِينَ أَنَّهُمْ يَلْجَأُونَ إِلَى الْأَمَانِ، وَيَلُوذُونَ بِالْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ، فَمَلَكَتْهُمُ الْهَيْبَةُ، وَزَحْزَحَتْهُمُ الْحِشْمَةُ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ نَرُدَّهُمْ إِلَى رَايَاتِنَا خَاضِعِينَ، وَنُذِيقَهُمْ مِنْ بَأْسِنَا جَزَاءَ الْمُتَمَرِّدِينَ، قَرُبُوا أَمْ بَعُدُوا، أَغَارُوا أَمْ أَنْجَدُوا.

ذِكْرُ ظَفْرِ قِرْوَاشٍ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ بِالْغُزِّ

قَدْ ذَكَرْنَا انْحِدَارَ قِرْوَاشٍ إِلَى السِّنِّ وَمُرَاسَلَتَهُ سَائِرَ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ فِي طَلَبِ النَّجْدَةِ مِنْهُمْ، فَأَمَّا الْمَلِكُ جَلَالُ الدَّوْلَةِ فَلَمْ يُنْجِدْهُ لِزَوَالِ طَاعَتِهِ عَنْ جُنْدِهِ الْأَتْرَاكِ أَمَّا دُبَيْسُ بْنُ مَزْيَدٍ فَسَارَ إِلَيْهِ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ عُقَيْلٌ كَافَّةً، وَأَتَتْهُ أَمْدَادُ أَبِي الشَّوْكِ وَابْنِ وَرَّامٍ، وَغَيْرِهِمَا، فَلَمْ يُدْرِكُوا الْوَقْعَةَ، فَإِنَّ قِرْوَاشًا لَمَّا اجْتَمَعَتْ عُقَيْلٌ وَدُبْيَسٌ عِنْدَهُ سَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ.

وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْغُزِّ فَتَأَخَّرُوا إِلَى تَلَعْفَرَ، وَبُومَارِيَةَ وَتِلْكَ النَّوَاحِي، وَرَاسَلُوا الْغُزَّ الَّذِينَ كَانُوا بِدِيَارِ بَكْرٍ، وَمُقَدَّمُهُمْ نَاصُغْلِي وَبُوقَا، وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْمُسَاعَدَةَ عَلَى الْعَرَبِ، فَسَارُوا إِلَيْهِمْ.

وَسَمِعَ قِرْوَاشٌ بِوُصُولِهِمْ فَلَمْ يُعْلِمْ أَصْحَابَهُ لِئَلَّا يَفْشَلُوا وَيَجْبُنُوا، وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى الْعَجَاجِ، وَسَارَتِ الْغُزُّ فَنَزَلُوا بِرَأْسِ الْأَيَّلِ مِنَ الْفَرْجِ، وَبَيْنَهُمَا نَحْوُ فَرْسَخَيْنِ، وَقَدْ طَمِعَ الْغُزُّ فِي الْعَرَبِ، فَتَقَدَّمُوا حَتَّى شَارَفُوا حُلَلَ الْعَرَبِ، وَوَقَعَتِ الْحَرْبُ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، فَاسْتَظْهَرَتِ الْغُزُّ، وَانْهَزَمَتِ الْعَرَبُ حَتَّى صَارَ الْقِتَالُ عِنْدَ حُلَلِهِمْ، وَنِسَاؤُهُمْ يُشَاهِدْنَ الْقِتَالَ، فَلَمْ يَزَلِ الظَّفَرُ لِلْغُزِّ إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْعَرَبِ وَانْهَزَمَتِ الْغُزُّ، وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ وَتَفَرَّقُوا وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ، فَقُتِلَ ثَلَاثَةٌ مِنْ مُقَدَّمِيهِمْ، وَمَلَكَ الْعَرَبُ حُلَلَ الْغُزِّ وَخَرْكَاهَاتِهِمْ، وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ، فَعَمَّتْهُمُ الْغَنِيمَةُ، وَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ.

وَسَيَّرَ قِرْوَاشٌ رُءُوسَ كَثِيرٍ مِنَ الْقَتْلَى فِي سَفِينَةٍ إِلَى بَغْدَاذَ. فَلَمَّا قَارَبَتْهَا أَخَذَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>