الْأَتْرَاكُ وَدَفَنُوهَا، وَلَمْ يَتْرُكُوهَا تَصِلُ أَنَفَةً وَحَمِيَّةً لِلْجِنْسِ، وَكَفَى اللَّهُ أَهْلَ الْمَوْصِلِ شَرَّهُمْ، وَتَبِعَهُمْ قِرْوَاشٌ إِلَى نَصِيبِينَ، وَعَادَ عَنْهُمْ فَقَصَدُوا دِيَارَ بَكْرٍ فَنَهَبُوهَا، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الْأَرْمَنِ وَالرُّومِ فَنَهَبُوهُمْ ثُمَّ قَصَدُوا بِلَادَ أَذْرَبِيجَانَ، وَكَتَبَ قِرْوَاشٌ إِلَى الْأَطْرَافِ يُبَشِّرُ بِالظَّفَرِ بِهِمْ، وَكَتَبَ إِلَى ابْنِ رَبِيبِ الدَّوْلَةِ، صَاحِبِ أُرْمِيَةَ، يَذْكُرُ لَهُ أَنَّهُ قَتَلَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ آلَافِ رَجُلٍ فَقَالَ لِلرَّسُولِ: هَذَا عَجَبٌ! فَإِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا اجْتَازُوا بِبِلَادِي أَقَمْتُ عَلَى قَنْطَرَةٍ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ عُبُورِهَا مِنْ عَدِّهِمْ، فَكَانُوا نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ أَلْفًا مَعَ لِفِيفِهِمْ، فَلَمَّا عَادُوا بَعْدَ هَزِيمَتِهِمْ لَمْ يَبْلُغُوا خَمْسَةَ آلَافِ رَجُلٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا قُتِلُوا أَوْ هَلَكُوا. وَمَدَحَ الشُّعَرَاءُ قِرْوَاشًا بِهَذَا الْفَتْحِ، وَمِمَّنْ مَدَحَهُ ابْنُ شِبْلٍ بِقَصِيدَةٍ مِنْهَا:
بِأَبِي الَّذِي أَرْسَتْ نِزَارٌ بَيْتَهَا ... فِي شَامِخٍ مِنْ عِزِّهِ الْمُتَخَيَّرِ
وَهِيَ طَوِيلَةٌ. هَذِهِ أَخْبَارُ الْغُزِّ الْعِرَاقِيِّينَ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهَا مُتَتَابِعَةً لِأَنَّ دَوْلَتَهُمْ لَمْ تَطُلْ حَتَّى نَذْكُرَ حَوَادِثَهَا فِي السِّنِينَ وَإِنَّمَا كَانَتْ سَحَابَةَ صَيْفٍ تَقَشَّعَتْ عَنْ قَرِيبٍ.
وَأَمَّا السَّلْجُوقِيَّةُ فَنَحْنُ نَذْكُرُ حَوَادِثَهُمْ فِي السِّنِينَ وَنَذْكُرُ ابْتِدَاءَ أَمْرِهِمْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
(وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ الظَّاهِرُ جَيْشًا مِنْ مِصْرَ، مُقَدَّمُهُمْ أَنُوشْتِكِينُ الْبَرِيدِيُّ، فَقَتَلَ صَالِحَ بْنَ مِرْدَاسٍ، وَمَلَكَ نَصْرُ بْنُ صَالِحٍ مَدِينَةَ حَلَبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِمِائَةٍ) .
وَفِيهَا سَقَطَ فِي الْبِلَادِ بَرَدٌ عَظِيمٌ، وَكَانَ أَكْثَرُهُ بِالْعِرَاقِ، وَارْتَفَعَتْ بَعْدَهُ رِيحٌ شَدِيدَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَلَعَتْ كَثِيرًا مِنَ الْأَشْجَارِ بِالْعِرَاقِ، فَقَلَعَتْ شَجَرًا كِبَارًا مِنَ الزَّيْتُونِ مِنْ شَرْقَيِ النَّهْرَوَانِ وَأَلْقَتْهُ عَلَى بُعْدٍ مِنْ غَرْبِيِّهَا، وَقَلَعَتْ نَخْلَةً مِنْ أَصْلِهَا وَحَمَلَتْهَا إِلَى دَارٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْضِعِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ثَلَاثُ دُورٍ، وَقَلَعَتْ سَقْفَ مَسْجِدِ الْجَامِعِ بِبَعْضِ الْقُرَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute