وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ وَالْأَسْرَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ دَخَلَ مِنْ أَحَدِ جَوَانِبِهَا وَنَهَبَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذَلِكَ الْجَانِبِ يَوْمًا مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، وَلَمْ يَفْرَغُوا مِنْ نَهْبِ سُوقِ الْعَطَّارِينَ وَالْجَوْهَرِيِّينَ، حَسْبُ، وَبَاقِي أَهْلِ الْبَلَدِ لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ، لِأَنَّ طُولَهُ مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ الْهُنُودِ وَعَرْضَهُ مِثْلُهُ، فَلَمَّا جَاءَ الْمَسَاءُ لَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ عَلَى الْمَبِيتِ فِيهِ لِكَثْرَةِ أَهْلِهِ، فَخَرَجَ مِنْهُ لِيَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَسْكَرِهِ.
وَبَلَغَ مِنْ كَثْرَةِ مَا نَهَبَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ كَيْلًا، وَلَمْ يَصِلْ إِلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ عَسْكَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فَلَمَّا فَارَقَهُ أَرَادَ الْعَوْدَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، مَنَعَهُ أَهْلُهُ عَنْهُ.
ذِكْرُ مُلْكِ بَدْرَانَ بْنِ الْمُقَلَّدِ نَصِيبِينَ
قَدْ ذَكَرْنَا مُحَاصَرَةَ بَدْرَانَ نَصِيبِينَ وَأَنَّهُ رَحَلَ عَنْهَا خَوْفًا مِنْ قِرْوَاشٍ، (فَلَمَّا رَحَلَ، شَرَعَ فِي إِصْلَاحِ الْحَالِ مَعَهُ فَاصْطَلَحَا. ثُمَّ جَرَى بَيْنَ قِرْوَاشٍ) وَنَصْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ مَرْوَانَ نَفْرَةٌ كَانَ سَبَبُهَا أَنَّ نَصْرَ الدَّوْلَةِ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ ابْنَةَ قِرْوَاشٍ فَآثَرَ عَلَيْهَا غَيْرَهَا. فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيهَا تَشْكُو مِنْهُ، فَأَرْسَلَ يَطْلُبُهَا إِلَيْهِ، فَسَيَّرَهَا فَأَقَامَتْ بِالْمَوْصِلِ. ثُمَّ إِنَّ وَلَدَ مُسْتَحْفِظِ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ وَهِيَ لِابْنِ مَرْوَانَ هَرَبَ إِلَى قِرْوَاشٍ فِي الْجَزِيرَةِ فَأَرْسَلَ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ يَطْلُبُ مِنْهُ صَدَاقَ ابْنَتِهِ وَهُوَ عِشْرُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَيَطْلُبُ الْجَزِيرَةَ لِنَفَقَتِهَا، وَيَطْلُبُ نَصِيبِينَ لِأَخِيهِ بَدْرَانَ وَيَحْتَجُّ بِمَا أُخْرِجَ بِسَبَبِهَا عَامَ أَوَّلٍ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ حَالٌ، فَسَيَّرَ جَيْشًا لِمُحَاصَرَةِ الْجَزِيرَةِ وَجَيْشًا مَعَ أَخِيهِ بَدْرَانَ إِلَى نَصِيبِينَ، فَحَصَرَهَا بَدْرَانُ وَأَتَاهُ قِرْوَاشٌ فَحَصَرَهَا مَعَهُ فَلَمْ يُمْلَكْ وَاحِدٌ مِنَ الْبَلَدَيْنِ وَتَفَرَّقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْعَرَبِ وَالْأَكْرَادِ. فَلَمَّا رَأَى بَدْرَانُ تَفَرُّقَ النَّاسِ عَنْ أَخِيهِ سَارَ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ مَرْوَانَ بِمَيَّافَارِقِينَ يَطْلُبُ مِنْهُ نَصِيبِينَ، فَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ وَأَرْسَلَ مِنْ صَدَاقِ ابْنَةِ قِرْوَاشٍ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ وَاصْطَلَحَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute