للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ مُلْكِ أَبِي الشَّوْكِ دَقُوقَا

وَفِيهَا حَصَرَ أَبُو الشَّوْكِ دَقُوقَا، وَبِهَا مَالِكُ بْنُ بَدْرَانَ بْنِ الْمُقَلَّدِ الْعُقَيْلِيُّ، فَطَالَ حِصَارُهُ، وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَقُولُ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَدِينَةَ كَانَتْ لِأَبِي.، وَلَا بُدَّ لِي مِنْهَا، وَالصَّوَابُ أَنْ تَنْصَرِفَ عَنْهَا. فَامْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا، فَحَصَرَهُ بِهَا، ثُمَّ اسْتَظْهَرَ، وَمَلَكَ الْبَلَدَ، فَطَلَبَ مِنْهُ مَالِكٌ الْأَمَانَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَأَمَّنَهُ عَلَى نَفْسِهِ حَسْبُ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِ مَالِكٌ قَالَ لَهُ أَبُو الشَّوْكِ: قَدْ كُنْتُ سَأَلْتُكَ أَنْ تُسَلِّمَ الْبَلَدَ طَوْعًا، وَتَحْقِنَ دَمَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ تَفْعَلْ. فَقَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لَعَيَّرَتْنِي الْعَرَبُ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَا عَارَ عَلَيَّ. فَقَالَ أَبُو الشَّوْكِ: إِنَّ مِنْ إِتْمَامِ الصَّنِيعَةِ تَسْلِيمَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِكَ إِلَيْكَ ; فَأَعْطَاهُ مَا كَانَ لَهُ أَجْمَعَ، فَأَخَذَهُ وَعَادَ سَالِمًا.

ذِكْرُ وَفَاةِ يَمِينِ الدَّوْلَةِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ وَمُلْكِ وَلَدِهِ مُحَمَّدٍ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، تُوُفِّيَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ، وَمَوْلِدُهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ (وَقِيلَ إِنَّهُ تُوُفِّيَ أَحَدَ عَشَرَ صَفَرٍ) ، وَكَانَ مَرَضُهُ سُوءَ مِزَاجٍ وَإِسْهَالًا، وَبَقِيَ كَذَلِكَ نَحْوَ سَنَتَيْنِ، وَكَانَ قَوِيَّ النَّفْسِ لَمْ يَضَعْ جَنْبَهُ فِي مَرَضِهِ بَلْ كَانَ يَسْتَنِدُ إِلَى مِخَدَّتِهِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْأَطِبَّاءُ بِالرَّاحَةِ، كَانَ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَقَالَ: أَتُرِيدُونَ أَنْ أَعْتَزِلَ الْإِمَارَةَ؟ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ قَاعِدًا.

فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بِالْمُلْكِ لِابْنِهِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ بِبَلْخَ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ مَسْعُودٍ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مُعْرِضًا عَنْ مَسْعُودٍ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَافِذًا، وَسَعَى بَيْنَهُمَا أَصْحَابُ الْأَغْرَاضِ، فَزَادُوا أَبَاهُ نُفُورًا عَنْهُ فَلَمَّا وَصَّى بِالْمُلْكِ لِوَلَدِهِ مُحَمَّدٍ تُوُفِّيَ، فَخُطِبَ لِمُحَمَّدٍ مِنْ أَقَاصِي الْهِنْدِ إِلَى نَيْسَابُورَ، وَكَانَ لَقَبُهُ جَلَالَ الدَّوْلَةِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَعْيَانُ دَوْلَةِ أَبِيهِ يُخْبِرُونَهُ بِمَوْتِ أَبِيهِ وَوَصِيَّتِهِ لَهُ بِالْمُلْكِ، وَيَسْتَدْعُونَهُ، وَيَحُثُّونَهُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>