للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ بَعْضِ سِيرَةِ يَمِينِ الدَّوْلَةِ

كَانَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ عَاقِلًا، دَيِّنًا، خَيِّرًا، عِنْدَهُ عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ، وَصُنِّفَ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْكُتُبِ فِي فُنُونِ الْعُلُومِ، وَقَصَدَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَقْطَارِ الْبِلَادِ، وَكَانَ يُكْرِمُهُمْ، وَيُقْبِلُ عَلَيْهِمْ، وَيُعَظِّمُهُمْ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ عَادِلًا، كَثِيرَ الْإِحْسَانِ إِلَى رَعِيَّتِهِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، كَثِيرَ الْغَزَوَاتِ، مُلَازِمًا لِلْجِهَادِ، وَفُتُوحُهُ مَشْهُورَةٌ مَذْكُورَةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا مَا وَصَلَ إِلَيْنَا عَلَى بُعْدِ الدَّهْرِ، وَفِيهِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى بَذْلِ نَفْسِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَاهْتِمَامِهِ بِالْجِهَادِ.

وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يُعَابُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَتَوَصَّلُ إِلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ إِنْسَانًا مِنْ نَيْسَابُورَ كَثِيرُ الْمَالِ، عَظِيمُ الْغِنَى، فَأَحْضَرَهُ إِلَى غَزْنَةَ وَقَالَ لَهُ: بَلَغَنَا أَنَّكَ قِرْمِطِيٌّ، فَقَالَ: لَسْتُ بِقِرْمِطِيٍّ، وَلِي مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يُرَادُ وَأُعْفَى مِنْ هَذَا الِاسْمِ، فَأَخَذَ مِنْهُ مَالًا، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا بِصِحَّةِ اعْتِقَادِهِ.

وَجَدَّدَ عِمَارَةَ الْمَشْهَدِ بِطُوسَ الَّذِي فِيهِ قَبْرُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، وَالرَّشِيدِ، وَأَحْسَنَ عِمَارَتَهُ، وَكَانَ أَبُوهُ سُبُكْتِكِينُ أَخْرَبَهُ، وَكَانَ أَهْلُ طُوسَ يُؤْذُونَ مَنْ يَزُورُهُ، فَمَنَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ.

وَكَانَ سَبَبُ فِعْلِهِ أَنَّهُ رَأَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الْمَنَامِ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: إِلَى مَتَى هَذَا؟ فَعَلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَمْرَ الْمَشْهَدِ، فَأَمَرَ بِعِمَارَتِهِ.

وَكَانَ رَبْعَةً مَلِيحَ اللَّوْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، صَغِيرَ الْعَيْنَيْنِ، أَحْمَرَ الشَّعْرِ، وَكَانَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ يُشْبِهُهُ، وَكَانَ ابْنُهُ مَسْعُودٌ مُمْتَلِئَ الْبَدَنِ، طَوِيلًا.

ذِكْرُ عَوْدِ عَلَاءِ الدَّوْلَةِ إِلَى أَصْبَهَانَ وَغَيْرِهَا وَمَا كَانَ مِنْهُ

لَمَّا مَاتَ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ طَمِعَ فَنَّاخَسْرُو بْنُ مَجْدِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ فِي الرَّيِّ، وَكَانَ قَدْ هَرَبَ مِنْهَا لَمَّا مَلَكَهَا عَسْكَرُ يَمِينِ الدَّوْلَةِ مَحْمُودٍ. فَقَصَدَ قَصْرَانَ، وَهِيَ حَصِينَةٌ، فَامْتَنَعَ بِهَا. فَلَمَّا تُوُفِّيَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ وَعَادَ ابْنُهُ مَسْعُودٌ إِلَى خُرَاسَانَ جَمَعَ فَنَّاخَسْرُو هَذَا جَمْعًا مِنَ الدَّيْلَمِ وَالْأَكْرَادِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَصَدُوا الرَّيَّ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ نَائِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>