فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ جَلَالِ الدَّوْلَةِ، وَقُتِلَ أَكْثَرُهُمْ، وَثَارَ أَهْلُ الْبَلَدِ بِغِلْمَانِهِمْ فَقَتَلُوهُمْ، وَنَهَبُوا أَمْوَالَهُمْ لِقَبِيحِ سِيرَتِهِمْ مَعَهُمْ، وَعَادَ مَنْ سَلِمَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ إِلَى وَاسِطٍ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ قِرْوَاشٍ وَغَرِيبِ بْنِ مَقْنٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْأُولَى، اخْتَلَفَ قِرْوَاشٌ وَغَرِيبُ بْنُ مَقْنٍ. وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ غَرِيبًا جَمَعَ جَمْعًا كَثِيرًا مِنَ الْعَرَبِ وَالْأَكْرَادِ، وَاسْتَمَدَّ جَلَالَ الدَّوْلَةِ، فَأَمَدَّهُ بِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَسَارَ إِلَى تَكْرِيتَ فَحَصَرَهَا، وَهِيَ لِأَبِي الْمُسَيَّبِ رَافِعِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَكَانَ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَسَأَلَ قِرْوَاشًا النَّجْدَةَ، فَجَمَعَا وَحَشَدَا وَسَارَا مُنْحَدِرَيْنِ فِيمَنْ مَعَهُمَا، فَبَلَغَا الدِّكَّةِ، وَغَرِيبٌ يُحَاصِرُ تَكْرِيتَ، وَقَدْ ضَيَّقَ عَلَى مَنْ بِهَا، وَأَهْلُهَا يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْأَمَانَ، فَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ، فَحَفِظُوا نُفُوسَهُمْ وَقَاتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ.
فَلَمَّا بَلَغَهُ وُصُولُ قِرْوَاشٍ وَرَافِعٍ سَارَ إِلَيْهِمْ، فَالْتَقَوْا بِالدِّكَّةِ وَاقْتَتَلُوا، فَغَدَرَ بِغَرِيبٍ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ، وَنَهَبُوا سَوَادَهُ وَسَوَادَ الْأَجْنَادِ الْجَلَالِيَّةِ، فَانْهَزَمَ، وَتَبِعَهُمْ قِرْوَاشٌ وَرَافِعٌ، ثُمَّ كَفُّوا عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا إِلَى حُلَّتِهِ وَمَا لَهُ فِيهَا، وَحَفِظُوا ذَلِكَ أَجْمَعَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ تَرَاسَلُوا وَاصْطَلَحُوا وَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْوِفَاقِ.
ذِكْرُ خُرُوجِ مَلِكِ الرُّومِ إِلَى الشَّامِ وَانْهِزَامِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ مَلِكُ الرُّومِ مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فِي ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ إِلَى الشَّامِ، (فَلَمْ يَزَلْ [يَسِيرُ] بِعَسَاكِرِهِ) حَتَّى بَلَغُوا قَرِيبَ حَلَبَ، (وَصَاحِبُهَا شِبْلُ الدَّوْلَةِ نَصْرُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مِرْدَاسٍ) ، فَنَزَلُوا عَلَى يَوْمٍ مِنْهَا، فَلَحِقَهُمْ عَطَشٌ شَدِيدٌ، وَكَانَ الزَّمَانُ صَيْفًا، وَكَانَ أَصْحَابُهُ مُخْتَلِفِينَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْسُدُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُهُ.
وَمِمَّنْ كَانَ مَعَهُ ابْنُ الدَّوْقَسِ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِهِمْ، وَكَانَ يُرِيدُ هَلَاكَ الْمَلِكِ لِيَمْلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute