لِيَرُدُّوهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ، فَتَبِعُوهُ، وَخَافَ مَنْ بَقِيَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أَنْ لَا يُنَاصِحُوهُمْ، وَيُسْلِمُوهُمْ عِنْدَ الْحَرْبِ، فَتَفَرَّقُوا، وَاسْتَأْمَنَ بَعْضُهُمْ إِلَى ذِي السَّعَادَاتِ، وَقَدْ كَانَ خَائِفًا مِنْهُمْ، فَجَاءَهُ مَا لَمْ يُقَدِّرْهُ مِنَ الظَّفَرِ، وَنَادَى مَنْ بَقِيَ بِالْبَصْرَةِ بِشِعَارِ أَبِي كَالِيجَارَ، فَدَخَلَهَا عَسْكَرُهُ، وَأَرَادُوا نَهْبَهَا، فَمَنَعَهُمْ ذُو السَّعَادَاتِ.
ذِكْرُ غَزْوِ فَضْلُونِ الْكُرْدِيِّ الْخَزَرَ وَمَا كَانَ مِنْهُ
كَانَ فَضْلُونُ الْكُرْدِيُّ هَذَا بِيَدِهِ قِطْعَةٌ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَمَلَكَهَا.، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ غَزَا الْخَزَرَ، هَذِهِ السَّنَةَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ، وَسَبَى، وَغَنِمَ شَيْئًا كَثِيرًا، فَلَمَّا عَادَ إِلَى بَلَدِهِ أَبْطَأَ فِي سَيْرِهِ وَأَمَّلَ الِاسْتِظْهَارَ فِي أَمْرِهِ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ دَوَّخَهُمْ وَشَغَلَهُمْ بِمَا عَمِلَهُ بِهِمْ، فَاتَّبَعُوهُ مُجِدِّينَ، وَكَبَسُوهُ، وَقَتَلُوا مِنْ أَصْحَابِهِ وَالْمُطَّوِّعَةِ الَّذِينَ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ قَتِيلٍ، وَاسْتَرَدُّوا الْغَنَائِمَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُمْ، وَغَنِمُوا أَمْوَالَ الْعَسَاكِرِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَعَادُوا.
ذِكْرُ الْبَيْعَةِ لِوَلِيِّ الْعَهْدِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَرِضَ الْقَادِرُ بِاللَّهِ، وَأُرْجِفَ بِمَوْتِهِ، فَجَلَسَ جَلُوسًا عَامًّا وَأَذِنَ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فَوَصَلُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ الصَّاحِبُ أَبُو الْغَنَائِمِ فَقَالَ: خَدَمُ مَوْلَانَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ دَاعُونَ لَهُ بِإِطَالَةِ الْبَقَاءِ، وَشَاكِرُونَ لِمَا بَلَغَهُمْ مِنْ نَظَرِهِ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ بِاخْتِيَارِ الْأَمِيرِ أَبِي جَعْفَرٍ لِوِلَايَةِ الْعَهْدِ.
فَقَالَ الْخَلِيفَةُ لِلنَّاسِ: قَدْ أَذِنَّا فِي الْعَهْدِ لَهُ، وَكَانَ أَرَادَ أَنْ يُبَايِعَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَثَنَاهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ حَاجِبٍ النُّعْمَانُ. فَلَمَّا عُهِدَ إِلَيْهِ أُلْقِيَتِ السِّتَارَةُ. وَقَعَدَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى السَّرِيرِ الَّذِي كَانَ قَائِمًا عَلَيْهِ، وَخَدَمَهُ الْحَاضِرُونَ وَهَنَّأُوهُ. وَتَقَدَّمَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ حَاجِبٍ النُّعْمَانُ فَقَبَّلَ يَدَهُ وَهَنَّأَهُ، فَقَالَ: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: ٢٥] يُعَرِّضُ لَهُ بِإِفْسَادِهِ رَأْيَ الْخَلِيفَةِ فِيهِ، فَأَكَبَّ عَلَى تَقْبِيلِ قَدَمِهِ. وَتَعْفِيرِ خَدِّهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالِاعْتِذَارِ. فَقَبِلَ عُذْرَهُ وَدُعِيَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute