تُعْنَى بِمَا يَفْنَى، وَتَتْرُكُ مَا بِهِ
تَغْنَى، كَأَنَّكَ لِلْحَوَادِثِ آمِنُ ... أَوَمَا تَرَى الدُّنْيَا وَمَصْرَعَ أَهْلِهَا
فَاعْمَلْ لِيَوْمِ فِرَاقِهَا، يَا حَائِنُ ... وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ لَا أَبَا لَكَ فِي الَّذِي
أَصْبَحْتَ تَجْمَعُهُ لِغَيْرِكَ خَازِنُ ... يَا عَامِرَ الدُّنْيَا أَتَعْمُرُ مَنْزِلًا
لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَعَ الْمَنِيَّةِ سَاكِنُ ... الْمَوْتُ شَيْءٌ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ
حَقٌّ، وَأَنْتَ بِذِكْرِهِ مُتَهَاوِنُ ... إِنَّ الْمَنِيَّةَ لَا تُؤَآمِرُ مَنْ أَتَتْ
فِي نَفْسِهِ يَوْمًا وَلَا تَسْتَأْذِنُ
فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِإِنْشَادِ مِثْلِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ. فَقَالَ: بَلْ لِلَّهِ الْمِنَّةُ إِذْ أَلْزَمَنَا بِذِكْرِهِ، وَوَفَّقَنَا لِشُكْرِهِ. أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي أَهْلِ الْمَعَاصِي: هَانُوا عَلَيْهِ فَعَصَوْهُ، وَلَوْ عَزُّوا عَلَيْهِ لَعَصَمَهُمْ، وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ.
ذِكْرُ خِلَافَةِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ
لَمَّا مَاتَ الْقَادِرُ بِاللَّهِ جَلَسَ فِي الْخِلَافَةِ ابْنُهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ، أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ، وَجُدِّدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ بَايَعَ لَهُ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاسْتَقَرَّتِ الْخِلَافَةُ لَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ الشَّرِيفُ أَبُو الْقَاسِمِ الْمُرْتَضَى، وَأَنْشَدَهُ:
فَإِمَّا مَضَى جَبَلٌ وَانْقَضَى ... فَمِنْكَ لَنَا جَبَلٌ قَدْ رَسَا
وَإِمَّا فُجِعْنَا بِبَدْرِ التَّمَامِ فَقَدْ ... بَقِيَتْ مِنْهُ شَمْسُ الضُّحَى
لَنَا حَزَنٌ فِي مَحَلِّ السُّرُورِ ... وَكَمْ ضَحِكَ فِي خِلَالِ الْبُكَا