أَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ لِلتَّعَرُّضِ إِلَى أَمْوَالِهِمْ وَنَعَمِهِمْ فَاسْتَوْحَشُوا وَاجْتَمَعُوا إِلَى دَارِهِ وَهَجَمُوا عَلَيْهِ، وَأَخْرَجُوهُ إِلَى مَسْجِدٍ هُنَاكَ فَوَكَّلُوا بِهِ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَسْمَعُوهُ مَا يَكْرَهُ، وَنَهَبُوا بَعْضَ مَا فِي دَارِهِ، فَلَمَّا وَكَّلُوا بِهِ جَاءَ بَعْضُ الْقُوَّادِ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْجُنْدِ، وَمَنِ انْضَافَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَامَّةِ وَالْعَيَّارِينَ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَعَادَهُ إِلَى دَارِهِ، فَنَقَلَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ وَلَدَهُ وَحُرَمَهُ وَمَا بَقِيَ لَهُ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَعَبَرَ هُوَ فِي اللَّيْلِ إِلَى الْكَرْخِ فَلَقِيَهُ أَهْلُ الْكَرْخِ بِالدُّعَاءِ، فَنَزَلَ بِدَارِ الْمُرْتَضَى، وَعَبَرَ الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ مَعَهُ.
ثُمَّ إِنَّ الْجُنْدَ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِنَا وَنُمَلِّكُ غَيْرَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ مِنْ بَنِي بُوَيْهِ غَيْرُهُ وَغَيْرُ أَبِي كَالِيجَارَ، وَذَلِكَ قَدْ عَادَ إِلَى بِلَادِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُدَارَاةِ هَذَا. فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَقُولُونَ لَهُ: نُرِيدُ أَنْ تَنْحَدِرَ عَنَّا إِلَى وَاسِطٍ، وَأَنْتَ مَلِكُنَا، وَتَتْرُكَ عِنْدَنَا بَعْضَ أَوْلَادِكَ الْأَصَاغِرِ. فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ سِرًّا إِلَى الْغِلْمَانِ الْأَصَاغِرِ فَاسْتَمَالَهُمْ، وَإِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَكَابِرِ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَثِقُ بِكَ، وَأَسْكُنُ إِلَيْكَ وَاسْتَمَالَهُمْ أَيْضًا، فَعَبَرُوا إِلَيْهِ، وَقَبَّلُوا الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَأَلُوهُ الْعَوْدَ إِلَى دَارِ الْمُلْكِ، فَعَادَ، وَحَلَفَ لَهُمْ عَلَى إِخْلَاصِ النِّيَّةِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَحَلَفُوا لَهُ عَلَى الْمُنَاصَحَةِ، وَاسْتَقَرَّ فِي دَارِهِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْوَزِيرُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيمَنْدِيُّ، وَزِيرُ مَسْعُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ، وَوَزَرَ بَعْدَهُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَكَانَ وَزِيرَ هَارُونَ أَلْتُونَتَاشَ، صَاحِبِ خُوَارَزْمَ، وَوَزَرَ بَعْدَهُ لِهَارُونَ ابْنُهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ.
وَفِيهَا ثَارَ الْعَيَّارُونَ بِبَغْدَاذَ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَ النَّاسِ ظَاهِرًا، وَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ، وَطَمِعَ الْمُفْسِدُونَ إِلَى حَدِّ أَنَّ بَعْضَ الْقُوَّادِ الْكِبَارِ أَخَذَ أَرْبَعَةً مِنَ الْعَيَّارِينَ، فَجَاءَ عَقِيدُهُمْ وَأَخَذَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِدِ أَرْبَعَةً، وَحَضَرَ بَابَ دَارِهِ وَدَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَكَلَّمَهُ مِنْ دَاخِلٍ، فَقَالَ الْعَقِيدُ: قَدْ أَخَذْتُ مِنْ أَصْحَابِكَ أَرْبَعَةً فَإِنْ أَطْلَقْتَ مَنْ عِنْدَكَ أَطْلَقْتُ أَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute