ذِكْرُ حَصْرِ قَلْعَةٍ بِالْهِنْدِ أَيْضًا
لَمَّا مَلَكَ مَسْعُودٌ قَلْعَةَ سَرَسْتَى رَحَلَ عَنْهَا إِلَى قَلْعَةِ نَغْسَى، فَوَصَلَ إِلَيْهَا عَاشِرَ صَفَرٍ، وَحَصَرَهَا فَرَآهَا عَالِيَةً لَا تُرَامُ، يَرْتَدُّ الْبَصَرُ دُونَهَا وَهُوَ حَسِيرٌ، إِلَّا أَنَّهُ أَقَامَ عَلَيْهَا يَحْصُرُهَا، فَخَرَجَتْ عَجُوزٌ سَاحِرَةٌ، فَتَكَلَّمَتْ بِاللِّسَانِ الْهِنْدِيِّ طَوِيلًا، وَأَخَذَتْ مِكْنَسَةً فَبَلَّتْهَا بِالْمَاءِ وَرَشَّتْهُ مِنْهَا إِلَى جِهَةِ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَرِضَ وَأَصْبَحَ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ ضَعْفًا شَدِيدًا، فَرَحَلَ عَنِ الْقَلْعَةِ لِشِدَّةِ الْمَرَضِ، فَحِينَ فَارَقَهَا زَالَ مَا كَانَ بِهِ، وَأَقْبَلَتِ الصِّحَّةُ وَالْعَافِيَةُ إِلَيْهِ، وَسَارَ نَحْوَ غَزْنَةَ.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِنَيْسَابُورَ
لَمَّا اشْتَدَّ أَمْرُ الْأَتْرَاكِ بِخُرَاسَانَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، تَجَمَّعَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَأَهْلِ الْعَيْثِ وَالشَّرِّ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَثَارَ الشَّرَّ أَهْلُ أَبِيوَرْدَ وَطُوسَ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَسَارُوا إِلَى نَيْسَابُورَ لِيَنْهَبُوهَا، وَكَانَ الْوَالِي عَلَيْهَا قَدْ سَارَ عَنْهَا إِلَى الْمَلِكِ مَسْعُودٍ فَخَافَهُمْ خَوْفًا عَظِيمًا، وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ.
فَبَيْنَمَا هُمْ يَتَرَقَّبُونَ الْبَوَارَ وَالِاسْتِئْصَالَ، وَذَهَابَ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، إِذْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ أَمِيرُ كِرْمَانَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ، قَدِمَ مُتَوَجِّهًا إِلَى مَسْعُودٍ أَيْضًا، فَاسْتَغَاثَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ لِيَكُفَّ عَنْهُمُ الْأَذَى، فَأَقَامَ عَلَيْهِمْ، وَقَاتَلَ مَعَهُمْ، وَعَظُمَ الْأَمْرُ، وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ، وَكَانَ الظَّفَرُ لَهُ وَلِأَهْلِ نَيْسَابُورَ، فَانْهَزَمَ أَهْلُ طُوسَ وَأَبِيوَرْدَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، وَأَخَذَتْهُمُ السُّيُوفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَعَمِلَ بِهِمْ أَمِيرُ كِرْمَانَ أَعْمَالًا عَظِيمَةً، وَأَثْخَنَ فِيهِمْ، وَأَسَرَ كَثِيرًا مِنْهُمْ، وَصَلَبَهُمْ عَلَى الْأَشْجَارِ فِي الطُّرُقِ، فَقِيلَ إِنَّهُ عُدِمَ مِنْ أَهْلِ طُوسَ عِشْرُونَ أَلْفَ رَجُلٍ.
ثُمَّ إِنَّ أَمِيرَ كِرْمَانَ أَحْضَرَ زُعَمَاءَ قُرَى طُوسَ، وَأَخَذَ أَوْلَادَهُمْ وَإِخْوَانَهُمْ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِيهِمْ رَهَائِنَ، فَأَوْدَعَهُمُ السُّجُونَ، وَقَالَ: إِنِ اعْتَرَضَ مِنْكُمْ وَاحِدٌ إِلَى أَهْلِ نَيْسَابُورَ أَوْ غَيْرِهِمْ، أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا، فَأَوْلَادُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَرَهَائِنُكُمْ مَأْخُوذُونَ بِجِنَايَاتِكُمْ. فَسَكَنَ النَّاسُ، وَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْ أَهْلِ نَيْسَابُورَ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute