وَكَانَ سَبَبَ غَزَاتِهِ غَطَفَانَ أَنَّ بَنِي بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ حِينَ خَرَجُوا مِنْ تِهَامَةَ سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُمْ صُدَاءُ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ مَذْحِجٍ، فَقَاتَلُوهُمْ، وَبَنُو بَغِيضٍ سَائِرُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَقَاتَلُوهُمْ عَنْ حَرِيمِهِمْ فَظَهَرُوا عَلَى صُدَاءَ وَفَتَكُوا فِيهِمْ، فَعَزَّتْ بَغِيضٌ بِذَلِكَ وَأَثْرَتْ وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهَا. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: وَاللَّهِ لَنَتَّخِذَنَّ حَرَمًا مِثْلَ مَكَّةَ لَا يُقْتَلُ صَيْدُهُ وَلَا يُهَاجُ عَائِذُهُ، فَبَنَوْا حَرَمًا وَوَلِيَهُ بَنُو مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، فَلَمَّا بَلَغَ فِعْلُهُمْ وَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ زُهَيْرَ بْنَ جَنَابٍ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَدًا وَأَنَا حَيٌّ، وَلَا أُخَلِّي غَطَفَانَ تَتَّخِذُ حَرَمًا أَبَدًا. فَنَادَى فِي قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ حَالَ غَطَفَانَ وَمَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ وَقَالَ: إِنَّ أَعْظَمَ مَأْثُرَةٍ يَدَّخِرُهَا هُوَ وَقَوْمُهُ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَأَجَابُوا، فَغَزَا بِهِمْ غَطَفَانَ وَقَاتَلَهُمْ أَبْرَحَ قِتَالٍ وَأَشَدَّهُ، وَظَفِرَ بِهِمْ زُهَيْرٌ وَأَصَابَ حَاجَتَهُ مِنْهُمْ وَأَخَذَ فَارِسًا مِنْهُمْ فِي حَرَمِهِمْ فَقَتَلَهُ وَعَطَّلَ ذَلِكَ الْحَرَمَ. ثُمَّ مَنَّ عَلَى غَطَفَانَ وَرَدَّ النِّسَاءَ وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ، وَقَالَ زُهَيْرٌ فِي ذَلِكَ:
فَلَمْ تَصْبِرْ لَنَا غَطَفَانُ لَمَّا ... تَلَاقَيْنَا وَأُحْرِزَتِ النِّسَاءُ
فَلَوْلَا الْفَضْلُ مِنَّا مَا رَجَعْتُمْ ... إِلَى عَذْرَاءَ شِيمَتُهَا الْحَيَاءُ
فَدُونَكُمُ دُيُونًا فَاطْلُبُوهَا ... وَأَوْتَارًا وَدُونَكُمُ اللِّقَاءُ
فَإِنَّا حَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ... لُيُوثٌ حِينَ يُحْتَضَرُ اللِّوَاءُ
فَقَدْ أَضْحَى لِحَيِّ بَنِي جَنَابٍ ... فَضَاءُ الْأَرْضِ وَالْمَاءُ الرَّوَاءُ
نَفَيْنَا نَخْوَةَ الْأَعْدَاءِ عَنَّا ... بِأَرْمَاحٍ أَسِنَّتُهَا ظِمَاءُ
وَلَوْلَا صَبْرُنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا ... لَقِينَا مِثْلَ مَا لَقِيَتْ صُدَاءُ
غَدَاةَ تَضَرَّعُوا لِبَنِي بَغِيضٍ ... وَصِدْقُ الطَّعْنِ لِلنَّوْكَى شِفَاءُ
وَأَمَّا حَرْبُهُ مَعَ بَكْرٍ وَتَغْلِبَ ابْنَيْ وَائِلٍ، فَكَانَ سَبَبَهَا أَنَّ أَبْرَهَةَ حِينَ طَلَعَ إِلَى نَجْدٍ أَتَاهُ زُهَيْرٌ، فَأَكْرَمَهُ وَفَضَّلَهُ عَلَى مَنْ أَتَاهُ مِنَ الْعَرَبِ، ثُمَّ أَمَّرَهُ عَلَى بَكْرٍ وَتَغْلِبَ ابْنَيْ وَائِلٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute