فَوَلِيَهُمْ حَتَّى أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ مَا يَطْلُبُ مِنْهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ، فَأَقَامَ بِهِمْ زُهَيْرٌ فِي الْحَرْبِ وَمَنَعَهُمْ مِنَ النُّجْعَةِ حَتَّى يُؤَدُّوا مَا عَلَيْهِمْ، فَكَادَتْ مَوَاشِيهِمْ تَهْلِكُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُ زَيَّابَةَ أَحَدُ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَكَانَ فَاتِكًا، أَتَى زُهَيْرًا وَهُوَ نَائِمٌ، فَاعْتَمَدَ التَّيْمِيُّ بِالسَّيْفِ عَلَى بَطْنِ زُهَيْرٍ فَمَرَّ فِيهَا حَتَّى خَرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ مَارِقًا بَيْنَ الصِّفَاقِ، وَسَلِمَتْ أَمْعَاؤُهُ وَمَا فِي بَطْنِهِ، وَظَنَّ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ، وَعَلِمَ زُهَيْرٌ أَنَّهُ قَدْ سَلِمَ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ لِئَلَّا يُجْهِزَ عَلَيْهِ، فَسَكَتَ. فَانْصَرَفَ التَّيْمِيُّ إِلَى قَوْمِهِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ قَتَلَ زُهَيْرًا، فَسَرَّهُمْ ذَلِكَ.
وَلَمْ يَكُنْ مَعَ زُهَيْرٍ إِلَّا نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ وَأَنْ يَسْتَأْذِنُوا بَكْرًا وَتَغْلِبَ فِي دَفْنِهِ فَإِذَا أَذِنُوا دَفَنُوا ثِيَابًا مَلْفُوفَةً وَسَارُوا بِهِ مُجِدِّينَ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ. فَأَذِنَتْ لَهُمْ بَكْرٌ وَتَغْلِبُ فِي دَفْنِهِ، فَحَفَرُوا وَعَمَّقُوا وَدَفَنُوا ثِيَابًا مَلْفُوفَةً لَمْ يَشُكَّ مَنْ رَآهَا أَنَّ فِيهَا مَيِّتًا، ثُمَّ سَارُوا مُجِدِّينَ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَجَمَعَ لَهُمْ زُهَيْرٌ الْجُمُوعَ، وَبَلَغَهُمُ الْخَبَرُ فَقَالَ ابْنُ زَيَّابَةَ:
طَعْنَةً مَا طَعَنْتُ فِي غَلَسِ اللَّيْ ... لِ زُهَيْرًا وَقَدْ تَوَافَى الْخُصُومُ
حِينَ يَحْمِي لَهُ الْمَوَاسِمَ بَكْرٌ ... أَيْنَ بَكْرٌ وَأَيْنَ مِنْهَا الْحُلُومُ
خَانَنِي السَّيْفُ إِذْ طَعَنْتُ ... زُهَيْرًا وَهُوَ سَيْفٌ مُضَلَّلٌ مَشْؤُومُ
وَجَمَعَ زُهَيْرٌ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَغَزَا بَكْرًا وَتَغْلِبَ، وَكَانُوا عَلِمُوا بِهِ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا انْهَزَمَتْ بِهِ بَكْرٌ، وَقَاتَلَتْ تَغْلِبُ بَعْدَهَا فَانْهَزَمَتْ أَيْضًا، وَأُسِرَ كُلَيْبٌ وَمُهَلْهِلٌ ابْنَا رَبِيعَةَ وَأُخِذَتِ الْأَمْوَالُ وَكَثُرَتِ الْقَتْلَى فِي بَنِي تَغْلِبَ وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُرْسَانِهِمْ وَوُجُوهِهِمْ، فَقَالَ زُهَيْرٌ فِي ذَلِكَ مِنْ قَصِيدَةٍ:
أَيْنَ أَيْنَ الْفِرَارُ مِنْ حَذَرِ ... الْمَوْ تِ إِذَا يَتَّقُونَ بِالْأَسْلَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute