ثُمَّ إِنَّهُ وَاقَعَهُمْ بِنَفْسِهِ، فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقْعَةً اسْتَظْهَرَ [فِيهَا] عَلَيْهِمْ، فَأَبْعَدُوا عَنْهُ، ثُمَّ عَاوَدُوا الْقُرْبَ مِنْهُ بِنَوَاحِي مَرْوَ، فَوَاقَعَهُمْ وَقْعَةً أُخْرَى قَتَلَ مِنْهُمْ [فِيهَا] نَحْوَ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ قَتِيلٍ، وَهَرَبَ الْبَاقُونَ فَدَخَلُوا الْبَرِّيَّةَ الَّتِي يَحْتَمُونَ بِهَا.
وَثَارَ أَهْلُ نَيْسَابُورَ بِمَنْ عِنْدَهُمْ مِنْهُمْ، فَقَتَلُوا بَعْضًا وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ بِالْبَرِّيَّةِ. وَعَدَلَ مَسْعُودٌ إِلَى هَرَاةَ لِيَتَأَهَّبَ فِي الْعَسَاكِرِ لِلْمَسِيرِ خَلْفَهُمْ وَطَلَبِهِمْ أَيْنَ كَانُوا، فَعَادَ طُغْرُلْبَكُ إِلَى الْأَطْرَافِ النَّائِيَةِ عَنْ مَسْعُودٍ. فَنَهَبَهَا وَأَثْخَنَ فِيهَا، وَكَانَ النَّاسُ قَدْ تَرَاجَعُوا فَمَلَئُوا أَيْدِيَهُمْ مِنَ الْغَنَائِمِ، فَحِينَئِذٍ سَارَ مَسْعُودٌ يَطْلُبُهُ، فَلَمَّا قَارَبَهُ انْزَاحَ طُغْرُلْبَكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ إِلَى أُسْتُوَا وَأَقَامَ بِهَا، وَكَانَ الزَّمَانُ شِتَاءً، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ يَمْنَعُ عَنْهُ، فَطَلَبَهُ مَسْعُودٌ إِلَيْهَا فَفَارَقَهُ طُغْرُلْبَكُ وَسَلَكَ الطَّرِيقَ عَلَى طُوسَ، وَاحْتَمَى بِجِبَالٍ مَنِيعَةٍ، وَمَضَايِقَ صَعْبَةِ الْمَسْلَكِ، فَسَيَّرَ مَسْعُودٌ فِي طَلَبِهِ وَزِيرَهُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ فِي عَسَاكِرَ كَثِيرَةٍ، فَطَوَى الْمَرَاحِلَ إِلَيْهِ جَرِيدَةً، فَلَمَّا رَأَى طُغْرُلْبَكُ قُرْبَهُ مِنْهُ فَارَقَ مَكَانَهُ إِلَى نَوَاحِي أَبِيوَرْدَ.
وَكَانَ مَسْعُودٌ قَدْ سَارَ لِيَقْطَعَهُ عَنْ جِهَةٍ إِنْ أَرَادَهَا فَلَقِيَ طُغْرُلْبَكُ مُقَدَّمَتَهُ فَوَاقَعَهُمْ فَانْتَصَرُوا عَلَيْهِ، وَاسْتَأْمَنَ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً، وَرَأَى الطَّلَبَ لَهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَعَاوَدَ دُخُولَ الْمَفَازَةِ إِلَى خُوَارَزْمَ وَأَوْغَلَ فِيهَا.
فَلَمَّا فَارَقَ الْغُزُّ خُرَاسَانَ قَصَدَ مَسْعُودٌ جَبَلًا مِنْ جِبَالِ طُوسَ مَنِيعًا لَا يُرَامُ، وَكَانَ أَهْلُهُ قَدْ وَافَقُوا الْغُزَّ وَأَفْسَدُوا مَعَهُمْ، فَلَمَّا فَارَقَ الْغُزُّ تِلْكَ الْبِلَادَ تَحَصَّنَ هَؤُلَاءِ بِجَبَلِهِمْ ثِقَةً مِنْهُمْ بِحَصَانَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ، فَسَرَى مَسْعُودٌ إِلَيْهِمْ جَرِيدَةً، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَقَدْ خَالَطَهُمْ، فَتَرَكُوا أَهْلَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَصَعِدُوا إِلَى قُلَّةِ الْجَبَلِ وَاعْتَصَمُوا بِهَا وَامْتَنَعُوا، وَغَنِمَ عَسْكَرُ مَسْعُودٍ أَمْوَالَهُمْ وَمَا ادَّخَرُوهُ.
ثُمَّ أَمَرَ مَسْعُودٌ أَصْحَابَهُ أَنْ يَزْحَفُوا إِلَيْهِمْ فِي قُلَّةِ الْجَبَلِ، وَبَاشَرَ هُوَ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ، فَزَحَفَ النَّاسُ إِلَيْهِمْ، وَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، وَكَانَ الزَّمَانُ شِتَاءً، وَالثَّلْجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute