يَحْمِلُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، بَعْدَ تِسْعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ أُخِذَتْ مِنْهُ قَبْلَهَا، وَوَصَلَ الْمَلِكُ أَبُو كَالِيجَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَأَقَامَ بِهَا ثُمَّ عَادَ إِلَى الْأَهْوَازِ، وَجَعَلَ وَلَدَهُ عِزَّ الْمُلُوكِ فِيهَا، وَمَعَهُ الْوَزِيرُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ فَسَانْجَسَ، وَلَمَّا سَارَ أَبُو كَالِيجَارَ عَنِ الْبَصْرَةِ أَخَذَ مَعَهُ الظَّهِيرَ إِلَى الْأَهْوَازِ.
ذِكْرُ مَا جَرَى بِعُمَانَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مُكْرَمٍ
لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مُكْرَمٍ خَلَّفَ أَرْبَعَةَ بَنِينَ: أَبُو الْجَيْشِ، وَالْمُهَذَّبُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ، وَآخَرُ صَغِيرٌ، فَوَلِيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو الْجَيْشِ، وَأَقَرَّ عَلِيَّ بْنَ هَطَّالٍ الْمَنُوجَانِيَّ، صَاحِبجَيْشِ أَبِيهِ، عَلَى قَاعِدَتِهِ، وَأَكْرَمَهُ وَبَالَغَ فِي احْتِرَامِهِ، فَكَانَ إِذَا جَاءَ إِلَيْهِ قَامَ لَهُ، فَأَنْكَرَ هَذِهِ الْحَالَ عَلَيْهِ أَخُوهُ الْمُهَذَّبُ، فَطَعَنَ عَلَى ابْنِ هَطَّالٍ، وَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَأَضْمَرَ لَهُ سُوءًا، وَاسْتَأْذَنَ أَبَا الْجَيْشِ فِي أَنْ يَحْضُرَ أَخَاهُ الْمُهَذَّبَ لِدَعْوَةٍ عَمِلَهَا لَهُ، فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا حَضَرَ الْمُهَذَّبُ عِنْدَهُ خَدَمَهُ وَبَالَغَ فِي خِدْمَتِهِ، فَلَمَّا أَكَلَ وَشَرِبَ وَانْتَشَى وَعَمِلَ السُّكْرُ فِيهِ قَالَ لَهُ ابْنُ هَطَّالٍ: إِنَّ أَخَاكَ أَبَا الْجَيْشِ فِيهِ ضَعْفٌ وَعَجْزٌ عَنِ الْأَمْرِ، وَالرَّأْيُ أَنَّنَا نَقُومُ مَعَكَ، وَتَصِيرُ أَنْتَ الْأَمِيرَ، وَخَدَعَهُ، فَمَالَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَأَخَذَ ابْنُ هَطَّالٍ خَطَّهُ بِمَا فَوَّضُ إِلَيْهِ، وَبِمَا يُعْطِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ إِذَا عَمِلَ مَعَهُ هَذَا الْأَمْرَ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ حَضَرَ ابْنُ هَطَّالٍ عِنْدَ أَبِي الْجَيْشِ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَخَاكَ كَانَ قَدْ أَفْسَدَ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَيْكَ تَحَدَّثَ مَعِي، وَاسْتَمَالَنِي فَلَمْ أُوَافِقْهُ، فَلِهَذَا كَانَ يَذُمُّنِي، وَيَقَعُ فِيَّ، وَهَذَا خَطُّهُ بِمَا اسْتَقَرَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ. فَلَمَّا رَأَى خَطَّ أَخِيهِ أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَاعْتَقَلَهُ، ثُمَّ وَضَعَ عَلَيْهِ مَنْ خَنَقَهُ وَأَلْقَى جُثَّتَهُ إِلَى مُنْخَفَضٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ سَقَطَ فَمَاتَ.
ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو الْجَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ، وَأَرَادَ ابْنُ هَطَّالٍ أَنْ يَأْخُذَ أَخَاهُ أَبَا مُحَمَّدٍ فَيُوَلِّيَهُ عُمَانَ ثُمَّ يَقْتُلَهُ، فَلَمْ تُخْرِجْهُ إِلَيْهِ وَالِدَتُهُ، وَقَالَتْ لَهُ: أَنْتَ تَتَوَلَّى الْأُمُورَ، هَذَا صَغِيرٌ لَا يَصْلُحُ لَهَا. فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَأَسَاءَ السِّيرَةَ، وَصَادَرَ التُّجَّارَ، وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute