وَبَلَغَ مَا كَانَ مِنْهُ مَعَ بَنِي مُكْرَمٍ إِلَى الْمَلِكِ أَبِي كَالِيجَارَ، وَالْعَادِلِ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ مَافَنَّةَ، فَأَعْظَمَا الْأَمْرَ وَاسْتَكْبَرَاهُ، وَشَدَّ الْعَادِلُ فِي الْأَمْرِ، وَكَاتَبَ نَائِبًا كَانَ لِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مُكْرَمٍ بِجِبَالِ عُمَانَ يُقَالُ لَهُ الْمُرْتَضَى، وَأَمَرَهُ بِقَصْدِ ابْنِ هَطَّالٍ، وَجَهَّزَ الْعَسَاكِرَ مِنَ الْبَصْرَةِ لِتَسِيرَ إِلَى مُسَاعَدَةِ الْمُرْتَضَى، فَجَمَعَ الْمُرْتَضَى الْخَلْقَ، وَتَسَارَعُوا إِلَيْهِ، وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ ابْنِ هَطَّالٍ، وَضَعُفَ أَمْرُهُ، وَاسْتَوْلَى الْمُرْتَضَى عَلَى أَكْثَرِ الْبِلَادِ، ثُمَّ وَضَعُوا خَادِمًا كَانَ لِابْنِ مُكْرَمٍ، وَقَدِ الْتَحَقَ بِابْنِ هَطَّالٍ عَلَى قَتْلِهِ، وَسَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ فَرَّاشٌ كَانَ لَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ الْعَادِلُ بِقَتْلِهِ سَيَّرَ إِلَى عُمَانَ مَنْ أَخْرَجَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ مُكْرَمٍ، وَرَتَّبَهُ فِي الْإِمَارَةِ، وَكَانَ قَدِ اسْتَقَرَّ أَنَّ الْأَمْرَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ أَبِي الْفَتْحِ بْنِ أَبِي الشَّوْكِ وَبَيْنَ عَمِّهِ مُهَلْهِلٍ (فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ بَيْنَ أَبِي الشَّوْكِ وَبَيْنَ عَمِّهِ مُهَلْهِلٍ حَرْبٌ شَدِيدَةٌ) .
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا الْفَتْحِ كَانَ نَائِبًا عَنْ وَالِدِهِ فِي الدِّينَوَرِ، وَقَدْ عَظُمَ مَحَلُّهُ، وَافْتَتَحَ عِدَّةَ قِلَاعٍ، وَحَمَى أَعْمَالَهُ مِنَ الْغُزِّ، وَقَتَلَ فِيهِمْ، فَأُعْجِبَ بِنَفْسِهِ، وَصَارَ لَا يَقْبَلُ أَمْرَ وَالِدِهِ.
فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةُ، فِي شَعْبَانَ، سَارَ إِلَى قَلْعَةِ بُلْوَارَ لِيَفْتَحَهَا، وَكَانَ فِيهَا زَوْجَةُ صَاحِبِهَا، وَكَانَ مِنَ الْأَكْرَادِ، فَعَلِمَتْ أَنَّهَا تَعْجَزُ عَنْ حِفْظِهَا، فَرَاسَلَتْ مُهَلْهِلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَنَّازٍ، وَهُوَ بِحُلَلِهِ فِي نَوَاحِي الصَّامَغَانِ، وَاسْتَدْعَتْهُ لِتُسَلِّمَ إِلَيْهِ الْقَلْعَةَ، فَسَأَلَ الرَّسُولَ عَنْ أَبِي الْفَتْحِ: هُوَ هُوَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْقَلْعَةِ أَمْ عَسْكَرُهُ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ عَادَ عَنْهَا وَبَقِيَ عَسَرُهُ، فَسَارَ مُهَلْهِلٌ إِلَيْهَا، فَلَمَّا وَصَلَ رَأَى أَبَا الْفَتْحِ قَدْ عَادَ إِلَى الْقَلْعَةِ، فَقَصَدَ مَوْضِعًا يُوهِمُ أَبَا الْفَتْحِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ هَذِهِ الْقَلْعَةَ، ثُمَّ رَجَعَ عَائِدًا، وَتَبِعَهُ أَبُو الْفَتْحِ وَلَحِقَهُ وَتَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ، فَعَادَ مُهَلْهِلٌ إِلَيْهِ، فَاقْتَتَلُوا، فَرَأَى أَبُو الْفَتْحِ مِنْ أَصْحَابِهِ تَغَيُّرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute