للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَتَبَ مَا قَالَ، فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى مَسْعُودٍ أَمَرَ فَكُتِبَ إِلَيْهِمْ كِتَابٌ مَمْلُوءٌ مِنَ الْمَوَاعِيدِ الْجَمِيلَةِ، وَسَيَّرَ مَعَهُ الْخِلَعَ النَّفِيسَةَ، وَأَمَرَهُمْ بِالرَّحِيلِ إِلَى آمُلِ الشَّطِّ، وَهِيَ مَدِينَةٌ عَلَى جَيْحُونَ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، وَأَقْطَعَ دِهِسْتَانَ لِدَاوُدَ، وَنَسَا لِطُغْرُلْبَك، وَفَرَاوَةَ لِبَيْغُو، وَلَقَّبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالدِّهْقَانِ.

فَاسْتَخَفُّوا بِالرَّسُولِ وَالْخِلَعَ وَقَالُوا لِلرَّسُولِ: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّ السُّلْطَانَ يُبْقِي عَلَيْنَا إِذَا قَدَرَ، لَأَطَعْنَاهُ، وَلَكِنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَتَى ظَفِرَ بِنَا أَهْلَكَنَا لِمَا عَمِلْنَاهُ وَأَسْلَفْنَاهُ، فَنَحْنُ لَ نُطِيعُهُ، وَلَا نَثِقُ بِهِ.

وَأَفْسَدُوا، ثُمَّ كَفُّوا وَتَرَكُوا ذَلِكَ، فَقَالُوا: إِنْ كَانَ لَنَا قُدْرَةٌ عَلَى الِانْتِصَافِ مِنَ السُّلْطَانِ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى إِهْلَاكِ الْعَالَمِ وَنَهْبِ أَمْوَالِهِمْ، وَأَرْسَلُوا إِلَى مَسْعُودٍ يُخَادِعُونَهُ إِظْهَارِ الطَّاعَةِ لَهُ، وَالْكَفِّ عَنِ الشَّرِّ، وَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يُطْلِقَ عَمَّهُمْ أَرْسِلَانَ بْنَ سَلْجُوقَ مِنَ الْحَبْسِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَأَحْضَرَهُ عِنْدَهُ بِبَلْخَ، وَأَمَرَهُ بِمُرَاسَلَةِ بَنِي أَخِيهِ بَيْغُو وَطُغْرُلْبَك وَدَاوُدَ يَأْمُرُهُمْ بِالِاسْتِقَامَةِ، وَالْكَفِّ عَنِ الشَّرِّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا يَأْمُرُهُمْ بِذَلِكَ، وَأَرْسَلَ مَعَهُ إِشْفَى، وَأَمَرَهُ بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا وَصَلَ الرَّسُولُ وَأَدَّى الرِّسَالَةَ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمُ الْإِشْفَى نَفَرُوا وَاسْتَوْحَشُوا، وَعَادُوا إِلَى أَمْرِهِمُ الْأَوَّلِ فِي الْغَارَةِ وَالشَّرِّ، فَأَعَادَهُ مَسْعُودٌ إِلَى مَحْبِسِهِ، وَسَارَ إِلَى غَزْنَةَ، فَقَصَدَ السَّلْجُوقِيَّةُ بَلْخَ وَنَيْسَابُورَ وَطُوسَ وَجُوزْجَانَ، (عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) .

وَأَقَامَ دَاوُدُ بِمَدِينَةِ مَرْوَ، وَانْهَزَمَتْ عَسَاكِرُ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَاسْتَوْلَى الرُّعْبُ عَلَى أَصْحَابِهِ، لَاسِيَّمَا مَعَ بُعْدِهِ إِلَى غَزْنَةَ، فَتَوَالَتْ كُتُبُ نُوَّابِهِ وَعُمَّالِهِ إِلَيْهِ يَسْتَغِيثُونَ بِهِ وَيَشْكُونَ إِلَيْهِ، وَيَذْكُرُونَ مَا يَفْعَلُ السَّلْجُوقِيَّةُ فِي الْبِلَادِ، وَهُوَ لَا يُجِيبُهُمْ وَلَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِمْ، وَأَعْرَضَ عَنْ خُرَاسَانَ وَالسَّلْجُوقِيَّةِ، وَاشْتَغَلَ بِأُمُورِ بِلَادِ الْهِنْدِ. فَلَمَّا اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ بِخُرَاسَانَ وَعَظُمَتْ حَالُهُمُ اجْتَمَعَ وُزَرَاءُ مَسْعُودٍ وَأَرْبَابُ الرَّأْيِ فِي دَوْلَتِهِ، وَقَالُوا لَهُ: إِنَّ قِلَّةَ الْمُبَالَاةِ بِخُرَاسَانَ مِنْ أَعْظَمِ سَعَادَةِ السَّلْجُوقِيَّةِ، وَبِهَا يَمْلِكُو الْبِلَادَ، وَيَسْتَقِيمُ لَهُمُ الْمُلْكُ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ، وَكُلُّ عَاقِلٍ، أَنَّهُمْ إِذَا تُرِكُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ اسْتَوْلَوْا عَلَى خُرَاسَانَ سَرِيعًا، ثُمَّ سَارُوا مِنْهَا إِلَى غَزْنَةَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>