فَلَمَّا عَبَرُوا جَيْحُونَ كَتَبَ إِلَيْهِمْ خُوَارَزْمُشَاهْ هَارُونُ بْنُ التُّونْتَاشِ يَسْتَدْعِيهِمْ لِيَتَّفِقُوا مَعَهُ، وَتَكُونَ أَيْدِيهِمْ وَاحِدَةً. فَسَارَ طُغْرُلْبَك وَأَخَوَاهُ دَاوُدُ وَبَيْغُو إِلَيْهِ، وَخَيَّمُوا بِظَاهِرِ خُوَارزْمَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] وَوَثِقُوا بِهِ، وَاطْمَأَنُّوا إِلَيْهِ، فَغَدَرَ بِهِمْ، فَوَضَعَ عَلَيْهِمُ الْأَمِيرَ شَاهْمَلَكْ، فَكَبَسَهُمْ وَمَعَهُ عَسْكَرٌ مِنْ هَارُونَ، فَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالنَّهْبَ وَالسَّبْيَ، وَارْتَكَبَ مِنَ الْغَدْرِ خُطَّةً شَنِيعَةً، فَسَارُوا عَنْ خُوَارَزْمَ بِجُمُوعِهِمْ إِلَى مَفَازَةِ نَسَا، وَقَصَدُوا مَرْوَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأَحَدٍ بِشَرٍّ، وَبَقِيَ أَوْلَادُهُمْ وَذَرَارِيُّهِمْ فِي الْأَسْرِ.
وَكَانَ الْمَلِكُ مَسْعُودُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ هَذِهِ السَّنَةَ بِطَبَرِسْتَانَ قَدْ مَلَكَهَا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَرَاسَلُوهُ وَطَلَبُوا مِنْهُ الْأَمَانَ، وَضَمِنُوا أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ الطَّائِفَةَ الَّتِي تُفْسِدُ فِي بِلَادِهِ، وَيَدْفَعُونَهُمْ عَنْهَا وَيُقَاتِلُونَهُمْ، وَيَكُونُونَ مِنْ أَعْظَمِ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ. فَقَبَضَ عَلَى الرُّسُلِ، وَجَهَّزَ عَسْكَرًا جَرَّارًا إِلَيْهِمْ مَعَ إِيلْتُغْدِي حَاجِبِهِ، وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْأَكَبِرِ، فَسَارُوا إِلَيْهِمْ، وَالْتَقَوْا عِنْدَ نَسَا فِي شَعْبَانَ مِنَ السَّنَةِ، وَاقْتَتَلُوا وَعَظُمَ الْأَمْرُ، وَانْهَزَمَ السَّلْجُوقِيَّةُ وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ، فَجَرَى بَيْنَ عَسْكَرِ مَسْعُودٍ مُنَازَعَةٌ فِي الْغَنِيمَةِ أَدَّتْ إِلَى الْقِتَالِ.
وَاتَّفَقَ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنَّ السَّلْجُوقِيَّةَ لَمَّا انْهَزَمُوا قَالَ لَهُمْ دَاوُدُ: إِنَّ الْعَسْكَرَ الْآنَ قَدْ نَزَلُوا وَاطْمَأَنُّوا وَأَمِنُوا الطَّلَبَ، وَالرَّأْيُ أَنْ نَقْصِدَهُمْ لَعَلَّنَا نَبْلُغُ مِنْهُمْ غَرَضًا. فَعَادُوا فَوَصَلُوا إِلَيْهِمْ وَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَقِتَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَأَوْقَعُوا بِهِمْ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ وَأَسَرُوا، وَاسْتَرَدُّوا مَا أَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَرِجَالِهِمْ، وَعَادَ الْمُنْهَزِمُونَ مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَى الْمَلِكِ مَسْعُودٍ وَهُوَ بِنَيْسَابُورَ، فَنَدِمَ عَلَى رَدِّهِ طَاعَتَهُمْ، وَعَلِمَ أَنَّ هَيْبَتَهُمْ قَدْ تَمَكَّنَتْ مِنْ قُلُوبِ عَسَاكِرِهِ، وَأَنَّهُمْ قَدْ طَمِعُوا بِهَذِهِ الْهَزِيمَةِ، وَتَجَرَّءُوا عَلَى قِتَالِ الْعَسَاكِرِ السُّلْطَانِيَّةِ بَعْدَ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ، وَخَافَ مِنْ أَخَوَاتِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَتَهَدَّدُهُمْ وَيَتَوَعَّدُهُمْ، فَقَالَ طُغْرُلْبَك لِإِمَامِ صَلَاتِهِ: اكْتُبْ إِلَى السُّلْطَانِ قُلِ اللَّهُمَّ مَا الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَلَا تَزِدْ عَلَى هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute