وَكَانَ بَسِيلُ عَادِلًا، حَسَنَ السِّيرَةِ، وَدَامَ مُلْكُهُ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا، فَمَلَكَ أَخُوهُ قُسْطَنْطِينُ، وَبَقِيَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَلَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَ ثَلَاثِ بَنَاتٍ، فَمَلَكَتِ الْكُبْرَى وَتَزَوَّجَتْ أَرْمَانُوسَ، وَهُوَ مِنْ أَقَارِبِ الْمَلِكِ، وَمَلَّكَتْهُ فَبَقِيَ مُدَّةً، وَهُوَ الَّذِي مَلَكَ الرُّهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَانَ لِأَرْمَانُوسَ صَاحِبٌ لَهُ يَخْدِمُهُ قَبْلَ مُلْكِهِ، مِنْ أَوْلَادِ بَعْضِ الصَّيَارِفِ، اسْمُهُ مِيخَائِيلُ، فَلَمَّا مَلَكَ حَكَّمَهُ فِي دَارِهِ، فَمَالَتْ زَوْجَةُ قُسْطَنْطِينَ إِلَيْهِ، وَعَمِلَا الْحِيلَةَ فِي قَتْلِ أَرْمَانُوسَ، فَمَرِضَ أَرْمَانُوسُ فَأَدْخَلَاهُ إِلَى الْحَمَّامِ كَارِهًا وَخَنَقَاهُ، وَأَظْهَرَا أَنَّهُ مَاتَ فِي الْحَمَّامِ، وَمَلَّكَتْ زَوْجَتُهُ مِيخَائِيلَ، وَتَزَوَّجَتْهُ عَلَى كُرْهٍ مِنَ الرُّومِ.
وَعَرَضَ لِمِيخَائِيلَ صَرَعٌ لَازَمَهُ وَشَوَّهَ صُورَتَهُ، فَعُهِدَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ إِلَى ابْنِ أُخْتٍ لَهُ اسْمُهُ مِيخَائِيلُ أَيْضًا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ مَلَكَ ابْنُ أُخْتِهِ وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ، وَقَبَضَ عَلَى أَهْلِ خَالِهِ وَإِخْوَتِهِ، وَهُمْ أَخْوَالُهُ، وَضَرَبَ الدَّنَانِيرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَهِيَ [سَنَةُ] ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ أَحْضَرَ زَوْجَتَهُ بِنْتَ الْمَلِكِ، وَطَلَبَ مِنْهَا أَنْ تَتَرَهَّبَ وَتَنْزِعَ نَفْسَهَا عَنِ الْمُلْكِ، فَأَبَتْ، فَضَرَبَهَا وَسَيَّرَهَا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الْقَبْضِ عَلَى الْبِطَرْكِ وَالِاسْتِرَاحَةِ مَنْ تَحَكُّمِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لَهُ طَعَامًا فِي دَيْرٍ ذَكَرَهُ بِظَاهِرِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ لِيَحْضُرَ عِنْدَهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَخَرَجَ إِلَى الدَّيْرِ لِيَعْمَلَ مَا قَالَ الْمَلِكُ، فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ جَمَاعَةً مِنَ الرُّوسِ وَالْبُلْغَارِ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى قَتْلِهِ سِرًّا، فَقَصَدُوهُ لَيْلًا وَحَصَرُوهُ فِي الدَّيْرِ، فَبَذَلَ لَهُمْ مَالًا كَثِيرًا، وَخَرَجَ مُتَخَفِّيًا، وَقَصَدَ الْبِيعَةَ الَّتِي يَسْكُنُهَا، وَضَرَبَ النَّاقُوسَ، فَاجْتَمَعَ الرُّومُ عَلَيْهِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى عَزْلِ الْمَلِكِ فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، وَحَصَرُوا الْمَلِكَ فِي دَارٍ، فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ إِلَى زَوْجَتِهِ وَأَحْضَرَهَا مِنَ الْجَزِيرَةِ الَّتِي نَفَاهَا إِلَيْهَا، وَرَغِبَ فِي أَنْ تَرُدَّ عَنْهُ فَلَمْ تَفْعَلْ، وَأَخْرَجَتْهُ إِلَى بِيعَةٍ يَتَرَهَّبُ فِيهَا.
ثُمَّ إِنَّ الْبِطَرْكَ وَالرُّومَ نَزَعُوا زَوْجَتَهُ مِنَ الْمُلْكِ، وَمَلَّكُوا أُخْتًا لَهَا صَغِيرَةً، وَاسْمُهَا تَذُورَةُ، وَجَعَلُوا مَعَهَا خَدَمَ أَبِيهَا يُدَبِّرُونَ الْمُلْكَ، وَكَحَّلُوا مِيخَائِيلَ، وَوَقَعَتِ الْحَرْبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute