بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ بَيْنَ مَنْ يَتَعَصَّبُ لَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَتَعَصَّبُ لِتَذُورَةَ وَالْبِطَرْكِ، فَظَفِرَ أَصْحَابُ تَذُورَةَ بِهِمْ، وَنَهَبُوا أَمْوَالَهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ الرُّومَ افْتَقَرُوا إِلَى مَلِكٍ يُدَبِّرُهُمْ، فَكَتَبُوا أَسْمَاءَ جَمَاعَةٍ يَصْلُحُونَ لِلْمُلْكِ فِي رِقَاعٍ، وَوَضَعُوهَا فِي بَنَادِقَ طِينٍ، وَأَمَرُوا مَنْ يُخْرِجُ مِنْهَا بُنْدُقَةً، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ بِاسْمِ مَنْ فِيهَا، فَخَرَجَ اسْمُ قُسْطَنْطِينَ، فَمَلَّكُوهُ وَتَزَوَّجَتْهُ الْمَلِكَةُ الْكَبِيرَةُ، وَاسْتَنْزَلَتْ أُخْتَهَا الصَّغِيرَةَ تَذُورَةُ عَنِ الْمُلْكِ بِمَالٍ بَذَلَتْهُ لَهَا، وَاسْتَقَرَّ فِي الْمُلْكِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] فَخَرَجَ عَلَيْهِ فِيهَا خَارِجِيٌّ مِنَ الرُّومِ اسْمُهُ أَرْمِينَاسُ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، فَكَثُرَ جَمْعُهُ حَتَّى زَادُوا عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا، فَأَهَمَّ قُسْطَنْطِينَ أَمْرُهُ، وَسَيَّرَ إِلَيْهِ جَيْشًا كَثِيفًا، فَظَفِرُوا بِالْخَارِجِيِّ وَقَتَلُوهُ، وَحَمَلُوا رَأْسَهُ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَأُسِرَ مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِهِ مِائَةُ رَجُلٍ، فَشُهِّرُوا فِي الْبَلَدِ، ثُمَّ أُطْلِقُوا وَأُعْطُوا نَفَقَةً، وَأُمِرُوا بِالِانْصِرَافِ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادُوا.
ذِكْرُ فَسَادِ حَالِ الدَّزْبَرِيِّ بِالشَّامِ وَمَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ بِالْبِلَادِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَسَدَ أَمْرُ أَنُّوشْتِكِينَ الدَّزْبَرِيِّ نَائِبِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ صَاحِبِ مِصْرَ بِالشَّامِ، وَقَدْ كَانَ كَبِيرًا عَلَى مَخْدُومِهِ بِمَا يَرَاهُ مَنْ تَعْظِيمِ الْمُلُوكِ لَهُ، وَهَيْبَةِ الرُّومِ مِنْهُ.
وَكَانَ الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَرْجَرَائِيُّ يَقْصِدُهُ وَيَحْسُدُهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجِدُ طَرِيقًا إِلَى الْوَقِيعَةِ فِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّهُ سُعِيَ بِكَاتِبٍ لِلدَّزْبَرِيِّ اسْمُهُ أَبُو سَعْدٍ، وَقِيلَ عَنْهُ: إِنَّهُ يَسْتَمِيلُ صَاحِبَهُ إِلَى غَيْرِ جِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ، فَكُوتِبَ الدَّزْبَرِيُّ بِإِبْعَادِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَاسْتَوْحَشُوا مِنْهُ، وَوَضَعَ الْجَرْجَرَائِيُّ حَاجِبَ الدَّزْبَرِيِّ وَغَيْرَهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ.
ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَجْنَادِ قَصَدُوا مِصْرَ، وَشَكَوْا إِلَى الْجَرْجَرَائِيِّ مِنْهُ، فَعَرَّفَهُمْ سُوءَ رَأْيِهِ فِيهِ، وَأَعَادَهُمْ إِلَى دِمَشْقَ، وَأَمَرَهُمْ بِإِفْسَادِ الْجُنْدِ عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute