وَأَحَسَّ الدَّزْبَرِيُّ بِمَا يَجْرِي، فَأَظْهَرَ مَا فِي نَفْسِهِ، وَأَحْضَرَ نَائِبَ الْجَرْجَرَائِيِّ عِنْدَهُ، وَأَمَرَ بِإِهَانَتِهِ وَضَرْبِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَطْلَقَ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ يَلْزَمُونَ خِدْمَتَهُ أَرْزَاقَهُمْ، وَمَنَعَ الْبَاقِينَ، فَحَرَّكَ مَا فِي نُفُوسِهِمْ، وَقَوَّى طَمَعَهُمْ فِيهِ بِمَا كُوتِبُوا بِهِ مِنْ مِصْرَ، فَأَظْهَرُوا الشَّغَبَ عَلَيْهِ وَقَصَدُوا قَصْرَهُ، وَهُوَ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ، وَتَبِعَهُمْ مِنَ الْعَامَّةِ مَنْ يُرِيدُ النَّهْبَ، فَاقْتَتَلُوا، فَعَلِمَ الدَّزْبَرِيُّ ضَعْفَهُ وَعَجْزَهُ عَنْهُمْ، فَفَارَقَ مَكَانَهُ، وَاسْتَصْحَبَ أَرْبَعِينَ غُلَامًا لَهُ وَمَا أَمْكَنَهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْأَثَاثِ وَالْأَمْوَالِ، وَنَهَبَ الْبَاقِي، وَسَارَ إِلَى بَعْلَبَكَّ فَمَنَعَهُ مُسْتَحْفِظُهَا، وَأَخَذَ مَا أَمْكَنَهُ أَخْذُهُ مِنْ مَالِ الدَّزْبَرِيِّ، وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْجُنْدِ يَقْفُونَ أَثَرَهُ، وَيَنْهَبُونَ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ.
وَسَارَ إِلَى مَدِينَةِ حَمَاةَ فَمُنِعَ عَنْهَا وَقُوتِلَ، وَكَاتَبَ الْمُقَلَّدَ بْنَ مُنْقِذٍ الْكِنَانِيَّ الْكَفَرْطَابِيَّ وَاسْتَدْعَاهُ، فَأَجَابَهُ وَحَضَرَ عِنْدَهُ فِي نَحْوِ أَلْفَيْ رَجُلٍ مَنْ كَفَرْطَابَ وَغَيْرِهَا، فَاحْتَمَى بِهِ، وَسَارَ إِلَى حَلَبَ وَدَخَلَهَا، وَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، وَتُوُفِّيَ فِي مُنْتَصَفِ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ فَسَدَ أَمْرُ بِلَادِ الشَّامِ، وَانْتَشَرَتِ الْأُمُورُ بِهَا، وَزَالَ النِّظَامُ، وَطَمِعَتِ الْعَرَبُ، وَخَرَجُوا فِي نَوَاحِيهِ، فَخَرَجَ حَسَّانُ بْنُ الْمُفَرِّجِ الطَّائِيُّ بِفِلَسْطِينَ، وَخَرَجَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بْنُ صَالِحٍ الْكِلَابِيُّ بِحَلَبَ، وَقَصَدَهَا وَحَصَرَهَا، وَمَلَكَ الْمَدِينَةَ، وَامْتَنَعَ أَصْحَابُ الدَّزْبَرِيِّ بِالْقَلْعَةِ، وَكَتَبُوا إِلَى مِصْرَ يَطْلُبُونَ النَّجْدَةَ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَاشْتَغَلَ عَسَاكِرُ دِمَشْقَ وَمُقَدَّمُهُمُ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الَّذِي وَلِيَ أَمْرَ دِمَشْقَ بَعْدَ الدَّزْبَرِيِّ بِحَرْبِ حَسَّانَ، وَوَقَعَ الْمَوْتُ فِي الَّذِينَ فِي الْقَلْعَةِ، فَسَلَّمُوهَا إِلَى مُعِزِّ الدَّوْلَةِ بِالْأَمَان ِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ الْمَلِكُ أَبُو كَالِيجَارَ مِنْ فَارِسَ عَسْكَرًا فِي الْبَحْرِ إِلَى عَمَّانَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute