للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاتَّفَقَ أَنَّ الْمَيْمَنْدِيَّ وَزِيرَ مَسْعُودٍ تُوُفِّيَ، فَاسْتَحْضَرَ أَبَا نَصْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ وَاسْتَوْزَرَهُ، فَاسْتَنَابَ أَبُو نَصْرٍ عِنْدَ هَارُونَ ابْنَهُ عَبْدَ الْجَبَّارِ، وَجَعَلَهُ وَزِيرَهُ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَارُونَ مُنَافَرَةٌ أَسَرَّهَا هَارُونُ فِي نَفْسِهِ، وَحَسَّنَ لَهُ أَصْحَابُهُ الْقَبْضَ عَلَى عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَالْعِصْيَانَ عَلَى مَسْعُودٍ، فَأَظْهَرَ الْعِصْيَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَأَرَادَ قَتْلَ عَبْدِ الْجَبَّارِ فَاخْتَفَى مِنْهُ، فَقَالَ أَعْدَاءُ أَبِيهِ لِلْمَلِكِ مَسْعُود ٍ: إِنَّ أَبَا نَصْرٍ وَاطَأَ هَارُونَ عَلَى الْعِصْيَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَفَى ابْنُهُ حِيلَةً وَمَكْرًا، فَاسْتَوْحَشَ مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ لَهُ.

وَعَزَمَ مَسْعُودٌ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ غَزْنَةَ إِلَى خُوَارَزْمَ، فَسَارَ عَنْ غَزْنَةَ وَالزَّمَانُ شِتَاءٌ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ قَصْدَ خُوَارَزْمَ، فَسَارَ إِلَى جُرْجَانَ طَالِبًا أَنُّوشَرْوَانَ بْنَ مَنُّوجَهْرَ، لِيُقَابِلَهُ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْهُ عِنْدَ اشْتِغَالِ مَسْعُودٍ بِقِتَالِ أَحْمَدَ يَنَّالَ تِكِينَ بِبِلَادِ الْهِنْدِ.

فَلَمَّا كَانَ بِبِلَادِ جُرْجَانَ أَتَاهُ كِتَابُ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَبِي نَصْرٍ بِقَتْلِ هَارُونَ، وَإِعَادَةِ الْبَلَدِ إِلَى طَاعَتِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي بَدْءِ اسْتِتَارِهِ يَعْمَلُ عَلَى قَتْلِ هَارُونَ، وَوَضَعَ جَمَاعَةً عَلَى الْفَتْكِ بِهِ، فَقَتَلُوهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَى الصَّيْدِ، وَقَامَ عَبْدُ الْجَبَّارِ بِحِفْظِ الْبَلَدِ.

فَلَمَّا وَقَفَ مَسْعُودٌ عَلَى كِتَابِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَلِمَ أَنَّ الَّذِي قِيلَ عَنْ أَبِيهِ كَانَ بَاطِلًا، فَعَادَ إِلَى الثِّقَةِ بِهِ، وَبَقِيَ عَبْدُ الْجَبَّارِ أَيَّامًا يَسِيرَةً، فَوَثَبَ بِهِ غِلْمَانُ هَارُونَ فَقَتَلُوهُ، وَوَلَّوُا الْبَلَدَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَلْتُونْتَاشَ، وَقَامَ بِأَمْرِهِ شُكْرٌ خَادِمُ أَبِيهِ، وَعَصَوْا عَلَى مَسْعُودٍ.

فَكَتَبَ مَسْعُودٌ إِلَى شَاهْمَلِكَ بْنِ عَلِيٍّ، أَحَدِ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ بِنَوَاحِي خُوَارَزْمَ، بِقَصْدِ خُوَارَزْمَ وَأَخْذِهَا، فَسَارَ إِلَيْهَا، فَقَاتَلَهُ شُكْرٌ وَإِسْمَاعِيلُ وَمَنَعَاهُ عَنِ الْبَلَدِ، فَهَزَمَهُمَا وَمَلَكَ الْبَلَدَ، فَسَارَا إِلَى طُغْرُلْبَك وَدَاوُدَ السَّلْجُقِيَّيْنِ وَالْتَجَآ إِلَيْهِمَا، وَطَلَبَا الْمَعُونَةَ مِنْهُمَا، فَسَارَ دَاوُدُ مَعَهُمَا إِلَى خُوَارَزْمَ، فَلَقِيَهُمْ شَاهْمَلِكُ وَقَاتَلَهُمْ فَهَزَمَهُمْ، وَلَمَّا جَرَى عَلَى مَسْعُودٍ مِنَ الْقَتْلِ مَا جَرَى وَمَلَكَ مَوْدُودٌ، دَخَلَ شَاهْمَلِكُ فِي طَاعَتِهِ وَصَافَاهُ، وَتَمَسَّكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِه ِ.

ثُمَّ إِنَّ طُغْرُلْبَك سَارَ إِلَى خُوَارَزْمَ فَحَصَرَهَا وَمَلَكَهَا وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَانْهَزَمَ شَاهْمَلِكُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَصْحَبَ أَمْوَالَهُ وَذَخَائِرَهُ وَمَضَى فِي الْمَفَازَةِ إِلَى دِهِسْتَانَ، ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهَا إِلَى طَبَسَ، ثُمَّ إِلَى أَطْرَافِ كِرْمَانَ، ثُمَّ إِلَى أَعْمَالِ التِّيزِ وَمَكْرَانَ، فَلَمَّا وَصَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>