إِلَى هُنَاكَ عَلِمَ خَلَاصَهُ بِبُعْدِهِ، وَأَمِنَ فِي نَفْسِهِ، فَعَرَفَ خَبَرَهُ أَرْتَاشُ أَخُو إِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ طُغْرُلْبَك، فَقَصَدَهُ فِي أَرْبَعَةِ آلَافَ فَارِسٍ، فَأَوْقَعَ بِهِ وَأَسَرَهُ وَأَخَذَ مَا مَعَهُ، ثُمَّ عَادَ بِهِ فَسَلَّمَهُ إِلَى دَاوُدَ، وَحَصَلَ هُوَ بِمَا غَنِمَ مِنْ أَمْوَالِهِ، وَعَادَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى بَاذَغِيسَ الْمُقَارِبَةِ لِهَرَاةَ، وَأَقَامَ عَلَى مُحَاصَرَةِ هَرَاةَ، لِأَنَّهُمْ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ كَانُوا مُقِيمِينَ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَالِاعْتِصَامِ بِبَلَدِهِمْ وَالثَّبَاتِ عَلَى طَاعَةِ مَوْدُودِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَاتَلَهُمْ أَهْلُ هَرَاةَ، وَحَفِظُوا بَلَدَهُمْ مَعَ خَرَابِ سَوَادِهِمْ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْحَرْبُ، خَوْفًا مِنَ الْغُز ِّ.
ذِكْرُ قَصْدِ إِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ هَمَذَانَ وَمَا كَانَ مِنْهُ
قَدْ ذَكَرْنَا خُرُوجَ إِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى الرَّيِّ وَاسْتِيلَاءَهُ عَلَيْهَا. فَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُهَا سَارَ عَنْهَا، وَمَلَكَ الْبِلَادَ الْمُجَاوِرَةَ لَهَا، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى بُرُجِرْدَ فَمَلَكَهَا، ثُمَّ قَصَدهَمَذَانَ، وَكَانَ بِهَا أَبُو كَالِيجَارَ كُرْشَاسُفُ بْنُ عَلَاءِ الدَّوْلَةِ صَاحِبُهَا، فَفَارَقَهَا إِلَى سَابُورَ خُوَاسْتَ، وَنَزَلَ إِبْرَاهِيمُ يَنَّالُ عَلَى هَمَذَانَ وَأَرَادَ دُخُولَهَا، فَقَالَ لَهُ أَهْلُهَا: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الَاعَةَ وَمَا يَطْلُبُهُ السُّلْطَانُ مِنَ الرَّعِيَّةِ، فَنَحْنُ بَاذِلُوهُ، وَدَاخِلُونَ تَحْتَهُ، فَاطْلُبْ أَوَّلًا هَذَا الْمُخَالِفَ عَلَيْكَ الَّذِي كَانَ عِنْدَنَا - يَعْنُونَ كُرْشَاسُفَ - فَإِنَّا لَا نَأْمَنُ عَوْدَهُ إِلَيْنَا، فَإِذَا مَلَكْتَهُ أَوْ دَفَعْتَهُ كُنَّا لَكَ.
فَكَفَّ عَنْهُمْ وَسَارَ إِلَى كُرْشَاسُفَ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ مَالًا، فَلَمَّا قَارَبَ سَابُورَ خُوَاسْتَ صَعِدَ كُرْشَاسُفُ إِلَى الْقَلْعَةِ فَتَحَصَّنَ بِهَا، وَحَصَرَ إِبْرَاهِيمُ الْبَلَدَ، فَقَاتَلَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنَ الْغُزِّ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ طَاقَةٌ عَلَى دَفْعِهِمْ، فَمَلَكَ الْبَلَدَ قَهْرًا، وَنَهَبَ الْغُزُّ أَهْلَهُ، وَفَعَلُوا الْأَفَاعِيلَ الْقَبِيحَةَ بِهِمْ، ثُمَّ عَادُوا بِمَا غَنِمُوهُ إِلَى الرَّيِّ، فَرَأَوْا طُغْرُلْبَك قَدْ وَرَدَهَا، وَلَمَّا فَارَقَ إِبْرَاهِيمُ وَالْغُزُّ هَمَذَانَ نَزَلَ كُرْشَاسُفُ إِلَيْهَا، فَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ وَصَلَ طُغْرُلْبَك إِلَى الرَّيِّ، فَسَارَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ، عَلَى مَا نَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ خُرُوجِ طُغْرُلْبَك إِلَى الرَّيِّ وَمُلْكِ بَلَدِ الْجَبَلِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ طُغْرُلْبَك مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى الرَّيِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ خُوَارَزْمَ، وَجُرْجَانَ، وَطَبَرِسْتَانَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ يَنَّالُ بِقُدُومِهِ سَارَ إِلَيْهِ فَلَقِيَهُ، وَتَسَلَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute