الْعَسَاكِرِ الْكَثِيرَةِ، وَأَمَرَهُ بِالْجِدِّ فِي الْمَسِيرِ لِيُدْرِكَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكُوا جِيرُفْتَ، وَكَانُوا يُحَاصِرُونَهَا، فَطَوَى الْمَرَاحِلَ حَتَّى قَارَبَهُمْ، فَرَحَلُوا عَنْ جِيرُفْتَ وَنَزَلُوا عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْهَا.
وَجَاءَ مُهَذِّبُ الدَّوْلَةِ فَنَزَلَهَا، وَأَرْسَلَ لِيَحْمِلَ الْمِيرَةَ إِلَى الْعَسْكَرِ، فَخَرَجَتِ الْغُزُّ إِلَى الْجِمَالِ وَالْبِغَالِ وَالْمِيرَةِ لِيَأْخُذُوهَا، وَسَمِعَ مُهَذَّبُ الدَّوْلَةِ ذَلِكَ فَسَيَّرَ طَائِفَةً مِنَ الْعَسْكَرِ لِمَنْعِهِمْ، فَتَوَاقَعُوا وَاقْتَتَلُوا، وَتَكَاثَرَ الْغُزُّ فَسَمِعَ مُهَذَّبُ الدَّوْلَةِ الْخَبَرَ، فَسَارَ فِي الْعَسَاكِرِ إِلَى الْمَعْرَكَةِ وَهُمْ يَقْتَتِلُونَ، وَقَدْ ثَبَتَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ لِصَاحِبَتِهَا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ إِلَى حَدِّ أَنَّ بَعْضَ الْغُزِّ رَمَى فَرَسَ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي كَالِيجَارَ بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ فِيهِ، وَطَعَنَهُ صَاحِبُ الْفَرَسِ بِرُمْحٍ، فَأَصَابَ فَرَسَ الْغُزِّيِّ، وَحَمَلَ الْغُزِّيُّ عَلَى صَاحِبِ الْفَرَسِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً قَطَعَتْ يَدَهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْفَرَسِ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ، وَسَقَطَا إِلَى الْأَرْضِ قَتِيلَيْنِ، وَالْفَرَسَانِ قَتِيلَانِ، وَهَذِهِ حَالَةٌ لَمْ يُدَوَّنْ عَنْ مُقَدَّمِي الشُّجْعَانِ أَحْسَنُ مِنْهَا.
فَلَمَّا وَصَلَ مُهَذِّبُ الدَّوْلَةِ إِلَى الْمَعْرَكَةِ انْهَزَمَ الْغُزُّ وَتَرَكُوا مَا كَانُوا يَنْهَبُونَهُ، وَدَخَلُوا الْمَفَازَةَ، وَتَبِعَهُمُ الدَّيْلَمُ إِلَى رَأْسِ الْحَدِّ، وَعَادُوا إِلَى كِرْمَانَ فَأَصْلَحُوا مَا فَسَدَ مِنْهَا. ٠
ذِكْرُ الْوَحْشَةِ بَيْنَ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَلَالِ الدَّوْلَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ افْتُتِحَتِ الْجَوَالِي فِي الْمُحَرَّمِ بِبَغْدَاذَ، فَأَنْفَذَ الْمَلِكُ جَلَالُ الدَّوْلَةِ فَأَخَذَ مَا تَحَصَّلَ مِنْهَا، وَكَانَتِ الْعَادَةُ أَنْ يُحْمَلَ مَا يُحَصَّلُ مِنْهَا إِلَى الْخُلَفَاءِ لَا تُعَارِضُهُمْ فِيهَا الْمُلُوكُ، فَلَمَّا فَعَلَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ ذَلِكَ عَظُمَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَأَرْسَلَ مَعَ أَقَضَى الْقُضَاةِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيِّ فِي ذَلِكَ، وَتَكَرَّرَتِ الرَّسَائِلُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute