وَتَحَصَّنَ إِبْرَاهِيمُ يَنَّالُ بِقَلْعَةِ سَرْمَاجَ، وَامْتَنَعَ عَلَى أَخِيهِ، فَحَصَرَهُ طُغْرُلْبَك فِيهَا، وَكَانَتْ عَسَاكِرُهُ قَدْ بَلَغَتْ مِائَةَ أَلْفٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَسْكَرِ، وَقَاتَلَهُ فَمَلَكَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَهِيَ مِنْ أَحْصَنِ الْقِلَاعِ وَأَمْنَعِهَا، وَاسْتُنْزِلَ يَنَّالُ مِنْهَا مَقْهُورًا، وَأَرْسَلَ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ مَرْوَانَ يَطْلُبُ مِنْهُ إِقَامَةَ الْخُطْبَةِ لَهُ فِي بِلَادِهِ، فَأَطَاعَهُ وَخَطَبَ لَهُ فِي سَائِرِ دِيَارِ بَكْرٍ، وَرَاسَلَ مَلِكَ الرُّومِ طُغْرُلْبَك، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ هَدِيَّةً عَظِيمَةً، وَطَلَبَ مِنْهُ الْمُعَاهَدَةَ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك َ.
وَأَرْسَلَ مِلْكُ الرُّومِ إِلَى ابْنِ مَرْوَانَ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْعَى فِي فِدَاءِ مَلِكِ الْأَبْخَازِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ، فَأَرْسَلَ نَصْرُ الدَّوْلَةِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مَرْوَانَ فِي الْمَعْنَى إِلَى السُّلْطَانِ طُغْرُلْبَك، فَأَطْلَقَهُ بِغَيْرِ فِدَاءٍ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مِلْكِ الرُّومِ، وَأَرْسَلَ عِوَضَهُ مِنَ الْهَدَايَا شَيْئًا كَثِيرًا، وَعَمَرُوا مَسْجِدَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَأَقَامُوا فِيهِ الصَّلَاةَ وَالْخُطْبَةَ لِطُغْرُلْبَك، وَدَانَ حِينَئِذٍ النَّاسُ كُلُّهُمْ لَهُ، وَعَظُمَ شَأْنُهُ، وَتَمَكَّنَ مُلْكُهُ وَثَبَت َ.
وَلَمَّا نَزَلَ يَنَّالُ إِلَى طُغْرُلْبَك أَكْرَمَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ كَثِيرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ، وَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يُقْطِعَهُ بِلَادًا يَسِيرُ إِلَيْهَا وَبَيْنَ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُ، فَاخْتَارَ الْمُقَامَ مَعَه ُ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ دُبَيْسِ بْنِ مَزْيَدٍ وَعَسْكَرِ وَاسِطٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ حَرْبٌ شَدِيدَةٌ بَيْنَ نُورِ الدَّوْلَةِ دُبَيْسِ بْنِ مَزْيَدٍ وَبَيْنَ الْأَتْرَاكِ الْوَاسِطِيِّينَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَلِكَ الرَّحِيمَ أَقْطَعُ نُورَ الدَّوْلَةِ حِمَايَةَ نَهْرِ الصِّلَةِ وَنَهْرِ الْفَضْلِ، وَهُمَا مِنْ إِقْطَاعِ الْوَاسِطِيِّينَ، فَسَارَ إِلَيْهِمَا وَوَلِيَهُمَا، فَسَمِعَ عَسْكَرُ وَاسِطٍ ذَلِكَ فَسَخِطُوهُ، وَاجْتَمَعُوا وَسَارُوا إِلَى نُورِ الدَّوْلَةِ لِيُقَاتِلُوهُ وَيَدْفَعُوهُ عَنْهُمَا، وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَتَهَدَّدُونَهُ، فَأَعَادَ الْجَوَابَ يَقُول ُ: إِنَّ الْمَلِكَ أَقْطَعَنِي هَذَا، فَنُرْسِلُ إِلَيْهِ أَنَا وَأَنْتُمْ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَمَرَ رَضَا بِه ِ. فَسَبَوْهُ، وَسَارُوا مُجِدِّينَ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى طَرِيقِهِمْ طَائِفَةً مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute