الْمَلِكُ الرَّحِيمُ، وَسَارَ فِي نَفَرٍ قَلِيلٍ إِلَى وَاسِطٍ، وَلَقِيَ فِي طَرِيقِهِ مَشَقَّةً، وَسَلِمَ وَاسْتَقَرَّ بِوَاسِطٍ فِيمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنَ الْمُنْهَزِمِينَ، وَنُهِبَتِ الْأَهْوَازُ، وَأُحْرِقَ فِيهَا عِدَّةُ مَحَالٍّ، وَفُقِدَ فِي الْوَقْعَةِ الْوَزِيرُ كَمَالُ الْمُلْكِ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، (وَزِيرُ الْمَلِكِ الرَّحِيمِ) ، فَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ خَبَرٌ.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْعَامَّةِ بِبَغْدَاذَ وَإِحْرَاقِ الْمَشْهَدِ - عَلَى سَاكِنِيهِ السَّلَامُ -
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي صَفَرٍ تَجَدَّدَتِ الْفِتْنَةُ بِبَغْدَاذَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَعَظُمَتْ أَضْعَافَ مَا كَانَتْ قَدِيمًا، فَكَانَ الِاتِّفَاقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ غَيْرَ مَأْمُونِ الِانْتِقَاضِ، لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنَ الْإِحَن ِ.
وَكَانَ سَبَبُ هَذِهِ الْفِتْنَةِ أَنَّ أَهْلَ الْكَرْخِ شَرَعُوا فِي عَمَلِ بَابِ السَّمَّاكِينَ، وَأَهْلَ الْقَلَّائِينَ فِي عَمَلِ مَا بَقِيَ مِنْ بَابِ مَسْعُودٍ، فَفَرَغَ أَهْلُ الْكَرْخِ، وَعَمِلُوا أَبْرَاجًا كَتَبُوا عَلَيْهَا بِالذَّهَبِ: محَمَّدٌ وَعَلِيٌّ خَيْرُ الْبَشَرِ. وَأَنْكَرَ السُّنَّةُ ذَلِكَ وَادَّعَوْا أَنَّ الْمَكْتُوبَ: مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ خَيْرُ الْبَشَرِ، فَمَنْ رَضِيَ فَقَدْ شَكَرَ، وَمَنْ أَبَى فَقَدْ كَفَرَ. وَأَنْكَرَ أَهْلُ الْكَرْخِ الزِّيَادَةَ وَقَالُوا: اتَجَاوَزْنَا مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُنَا فِيمَا نَكْتُبُهُ عَلَى مَسَاجِدِنَا. فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبَا تَمَامٍ نَقِيبَ الْعَبَّاسِيِّينَ، وَنَقِيبَ الْعَلَوِيِّينَ وَهُوَ عَدْنَانُ بْنُ الرَّضِيِّ، لِكَشْفِ الْحَرْبِ وَإِنْهَائِهِ، فَكَتَبَا بِتَصْدِيقِ قَوْلِ الْكَرْخِيِّينَ، فَأَمَرَ حِينَئِذٍ الْخَلِيفَةُ وَنُوَّابُ الرَّحِيمِ بِكَفِّ الْقِتَالِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، وَانْتَدَبَ ابْنُ الْمُذْهِبِ الْقَاضِي وَالزُّهَيْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَصْحَابِ عَبْدِ الصَّمَدِ [أَنْ] يَحْمِلَ الْعَامَّةَ عَلَى الْإِغْرَاقِ فِي الْفِتْنَةِ، فَأَمْسَكَ نُوَّابُ الْمَلِكِ الرَّحِيمِ عَنْ كَفِّهِمْ غَيْظًا مِنْ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ لِمَيْلِهِ إِلَى الْحَنَابِلَةِ، وَمَنْعِ هَؤُلَاءِ السُّنَّةِ مِنْ حَمْلِ الْمَاءِ مِنْ دِجْلَةَ إِلَى الْكَرْخِ، وَكَانَ نَهْرُ عِيسَى قَدِ انْفَتَحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute