الْيَهُودِيَّ، فَأَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَهُ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ لِيُوصِلَهُ إِلَى قَيْصَرَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَسَارَ إِلَى الْحَارِثِ وَأَوْدَعَ أَهْلَهُ وَأَدْرَاعَهُ عِنْدَ السَّمَوْأَلِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى قَيْصَرَ أَكْرَمَهُ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ بَنِي أَسَدٍ فَأَرْسَلُوا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ الطِّمَّاحُ، كَانَ امْرُؤُ الْقَيْسِ قَتَلَ أَخًا لَهُ، فَوَصَلَ الْأَسَدِيُّ، وَقَدْ سَيَّرَ قَيْصَرُ مَعَ امْرِئِ الْقَيْسِ جَيْشًا كَثِيفًا فِيهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ. فَلَمَّا سَارَ امْرُؤُ الْقَيْسِ، قَالَ الطِّمَّاحُ لِقَيْصَرَ: إِنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ غَوِيٌّ عَاهِرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُرَاسِلُ ابْنَتَكَ وَيُوَاصِلُهَا، وَقَالَ فِيهَا أَشْعَارًا أَشْهَرَهَا فِي الْعَرَبِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ قَيْصَرُ بِحُلَّةِ وَشْيٍ مَنْسُوجَةٍ بِالذَّهَبِ، مَسْمُومَةٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ بِحُلَّتِي الَّتِي كُنْتُ أَلْبَسُهَا تَكْرِمَةً لَكَ، فَالْبَسْهَا وَاكْتُبْ إِلَيَّ بِخَبَرِكَ مِنْ مَنْزِلٍ مَنْزِلٍ. فَلَبِسَهَا امْرُؤُ الْقَيْسِ وَسُرَّ بِذَلِكَ، فَأَسْرَعَ فِيهِ السُّمُّ وَسَقَطَ جِلْدُهُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ ذَا الْقُرُوحِ، فَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي ذَلِكَ:
لَقَدْ طَمِحَ الطِّمَّاحُ مِنْ نَحْوِ أَرْضِهِ ... لِيُلْبِسَنِي مِمَّا يُلَبِّسُ أَبْؤُسَا
فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ سَوِيَّةً ... وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تَسَاقَطُ أَنْفُسَا
فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ يُقَالُ لَهُ أَنْقِرَةُ احْتُضِرَ بِهَا، فَقَالَ:
رُبَّ خُطْبَةٍ مُسْحَنْفِرَهْ
،
وَطَعْنَةٍ مُثْعَنْجِرَهْ
وَجَفْنَةٍ مُتَحَيِّرَهْ
حَلَّتْ بِأَرْضِ أَنْقِرَهْ.
وَرَأَى قَبْرَ امْرَأَةٍ مِنْ بَنَاتِ مُلُوكِ الرُّومِ وَقَدْ دُفِنَتْ بِجَنْبِ عَسِيبٍ، وَهُوَ جَبَلٌ، فَقَالَ:
أَجَارَتَنَا إِنَّ الْخُطُوبَ تَنُوبُ ... وَإِنِّي مُقِيمٌ مَا أَقَامَ عَسِيبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute