للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا الْغَنَائِمِ وَأَبَا سَعْدٍ ابْنَيِ الْمُحْلِبَانِ صَاحِبَيْ قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ، وَصَلَا إِلَى بَغْدَاذَ سِرًّا، فَامْتَعَضَ الْبَسَاسِيرِيُّ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ وَصَاحِبُهُمْ كَبَسُوا حُلَلَ أَصْحَابِي، وَنَهَبُوا، وَفَتَحُوا الْبُثُوقَ، وَأَسْرَفُوا فِي إِهْلَاكِ النَّاسِ. وَأَرَادَ أَخْذَهُمْ فَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُمْ، فَمَضَى إِلَى حَرْبَى وَعَادَ وَلَمْ يَقْصِدْ دَارَ الْخِلَافَةِ عَلَى عَادَتِهِ، فَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَى رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ.

وَاجْتَازَتْ بِهِ سَفِينَةٌ لِبَعْضِ أَقَارِبِ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، فَمَنَعَهَا وَطَالَبَ بِالضَّرِيبَةِ الَّتِي عَلَيْهَا، وَأَسْقَطَ مُشَاهَرَاتِ الْخَلِيفَةِ مِنْ دَارِ الضَّرْبِ، وَكَذَلِكَ مُشَاهَرَاتِ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، وَحَوَاشِيَ الدَّارِ، وَأَرَادَ هَدْمَ دُورِ بَنِي الْمُحْلِبَانِ، فَمُنِعَ مِنْهُ، فَقَالَ: مَا أَشْكُو إِلَّا مِنْ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ الَّذِي قَدْ خَرَّبَ الْبِلَادَ، وَأَطْمَعَ الْغُزَّ وَكَاتَبَهُمْ.

وَدَامَ ذَلِكَ إِلَى ذِي الْحِجَّةِ، فَسَارَ الْبَسَاسِيرِيُّ إِلَى الْأَنْبَارِ، وَأَحْرَقَ نَاحِيَتَيْ دُمَّا، وَالْفَلُّوجَةَ، وَكَانَ أَبُو الْغَنَائِمِ بْنُ الْمُحْلِبَانِ بِالْأَنْبَارِ قَدْ أَتَاهَا مِنْ بَغْدَاذَ، وَوَرَدَ نُورُ الدَّوْلَةِ دُبَيْسٌ إِلَى الْبَسَاسِيرِيِّ، مُعَاوِنًا لَهُ عَلَى حَصْرِهَا، وَنَصَبَ الْبَسَاسِيرِيُّ عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ، فَهَدَمَ بُرْجًا، وَرَمَاهُمْ بِالنِّفْطِ، فَأَحْرَقَ أَشْيَاءَ كَانَ قَدْ أَعَدَّهَا أَهْلُ الْبَلَدِ لِقِتَالِهِ، وَدَخَلَهَا قَهْرًا، فَأَسَرَ مِائَةَ نَفْسٍ مِنْ بَنِي خَفَاجَةَ، وَأَسَرَ أَبَا الْغَنَائِمِ بْنَ الْمُحْلِبَانِ، فَأُخِذَ وَقَدْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْفُرَاتِ، وَنَهَبَ الْأَنْبَارَ، وَأَسَرَ مِنْ أَهْلِهَا خَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ، وَعَادَ إِلَى بَغْدَاذَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ أَبُو الْغَنَائِمِ عَلَى جَمَلٍ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ أَحْمَرُ، وَعَلَى رَأْسِهِ بُرْنُسٌ، وَفِي رِجْلَيْهِ قَيْدٌ، وَأَرَادَ صَلْبَهُ وَصَلْبَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَسْرَى، فَسَأَلَهُ نُورُ الدَّوْلَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ حَتَّى يَعُودَ، وَأَتَى الْبَسَاسِيرِيُّ إِلَى مُقَابِلِ التَّاجِ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ، وَعَادَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَتَرَكَ أَبَا الْغَنَائِمِ لَمْ يَصْلُبْهُ، وَصَلَبَ جَمَاعَةً مِنَ الْأَسْرَى، فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ الْوَحْشَةِ.

ذِكْرُ وَصُولِ الْغُزِّ إِلَى الدَّسْكَرَةِ وَغَيْرِهَا

فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَصَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْغُزِّيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>