للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ. وَسَارَ الْبَسَاسِيرِيُّ إِلَى بَلَدِ نُورِ الدَّوْلَةِ دُبَيْسِ بْنِ مَزْيَدٍ لِمُصَاهَرَةٍ بَيْنَهُمَا، وَأَصْعَدَ الْمَلِكَ الرَّحِيمَ إِلَى بَغْدَاذَ. وَأَرْسَلَ طُغْرُلْبَك رَسُولًا إِلَى الْخَلِيفَةِ يُبَالِغُ فِي إِظْهَارِ الطَّاعَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَإِلَى الْأَتْرَاكِ الْبَغْدَاذِيِّينَ يَعِدُهُمُ الْجَمِيلَ وَالْإِحْسَانَ، فَأَنْكَرَ الْأَتْرَاكُ ذَلِكَ، وَرَاسَلُوا الْخَلِيفَةَ فِي الْمَعْنَى، وَقَالُوا: إِنَّنَا فَعَلْنَا بِالْبَسَاسِيرِيِّ مَا فَعَلْنَا، وَهُوَ كَبِيرُنَا، وَمُقَدَّمُنَا، بِتَقَدُّمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَعَدَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِإِبْعَادِ هَذَا الْخَصْمِ عَنَّا، وَنَرَاهُ قَدْ قَرُبَ مِنَّا، وَلَمْ يُمْنَعْ مِنَ الْمَجِيءِ. وَسَأَلُوا التَّقَدُّمَ عَلَيْهِ (فِي الْعَوْدِ) ، فَغُولِطُوا فِي الْجَوَابِ، وَكَانَ رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ يُؤْثِرُ مَجِيئَهُ، وَيَخْتَارُ انْقِرَاضَ الدَّوْلَةِ الدَّيْلَمِيَّةِ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ الرَّحِيمَ وَصَلَ إِلَى بَغْدَاذَ مُنْتَصَفَ رَمَضَانَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُظْهِرُ لَهُ الْعُبُودِيَّةَ، وَأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ أَمْرَهُ إِلَيْهِ لِيَفْعَلَ مَا تَقْتَضِيهِ الْعَوَاطِفُ مَعَهُ فِي تَقْرِيرِ الْقَوَاعِدِ مَعَ السُّلْطَانِ طُغْرُلْبَك، وَكَذَلِكَ قَالَ مَنْ مَعَ الرَّحِيمِ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَأُجِيبُوا بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ أَنْ يُدْخِلَ الْأَجْنَادُ خِيَامَهُمْ مِنْ ظَاهِرِ بَغْدَاذَ، وَيَنْصِبُوهَا بِالْحَرِيمِ، وَيُرْسِلُوا رَسُولًا إِلَى طُغْرُلْبَك يَبْذُلُونَ لَهُ الطَّاعَةَ وَالْخُطْبَةَ، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ وَفَعَلُوهُ، وَأَرْسَلُوا رُسُلًا إِلَيْهِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا، وَوَعَدَهُمُ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ.

وَتَقَدَّمَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الْخُطَبَاءِ بِالْخُطْبَةِ لِطُغْرُلْبَك بِجَوَامِعِ بَغْدَاذَ، فَخُطِبَ لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ. وَأَرْسَلَ طُغْرُلْبَك يَسْتَأْذِنُ الْخَلِيفَةَ فِي دُخُولِ بَغْدَاذَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَوَصَلَ إِلَى النَّهْرَوَانِ، وَخَرَجَ الْوَزِيرُ رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ إِلَى لِقَائِهِ فِي مَوْكِبٍ عَظِيمٍ مِنَ الْقُضَاةِ، وَالنُّقَبَاءِ، وَالْأَشْرَافِ، وَالشُّهُودِ، وَالْخَدَمِ، وَأَعْيَانِ الدَّوْلَةِ، وَصَحِبَهُ أَعْيَانُ الْأُمَرَاءِ مِنْ عَسْكَرِ الرَّحِيمِ. فَلَمَّا عَلِمَ طُغْرُلْبَك بِهِمْ أَرْسَلَ إِلَى طَرِيقِهِمُ الْأُمَرَاءَ وَوَزِيرَهُ أَبَا نَصْرٍ الْكُنْدُرِيَّ، فَلَمَّا وَصَلَ رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ (إِلَى السُّلْطَانِ) أَبْلَغَهُ رِسَالَةَ الْخَلِيفَةِ، وَاسْتَحْلَفَهُ لِلْخَلِيفَةِ، وَلِلْمَلِكِ الرَّحِيمِ، وَأُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَسَارَ طُغْرُلْبَك وَدَخَلَ بَغْدَاذَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنَ الشَّهْرِ، وَنَزَلَ بِبَابِ الشَّمَّاسِيَّةِ، وَوَصَلَ إِلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>