قُرَيْشُ بْنُ بَدْرَانَ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ فِي طَاعَتِهِ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
ذِكْرُ وُثُوبِ الْعَامَّةِ بِبَغْدَاذَ بِعَسْكَرِ السُّلْطَانِ طُغْرُلْبَك وَقَبْضِ الْمَلِكِ الرَّحِيمِ
لَمَّا وَصَلَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبَك بَغْدَاذَ دَخَلَ عَسْكَرُهُ الْبَلَدَ لِلِامْتِيَارِ وَشِرَاءِ مَا يُرِيدُونَهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَأَحْسَنُوا مُعَامَلَتَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، وَهُوَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ، جَاءَ بَعْضُ الْعَسْكَرِ إِلَى بَابِ الْأَزَجِّ، وَأَخَذَ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِهِ لِيَطْلُبَ مِنْهُ تِبْنًا، وَهُوَ لَا يَفْهَمُ مَا يُرِيدُونَ، فَاسْتَغَاثَ عَلَيْهِمْ، وَصَاحَ الْعَامَّةُ بِهِمْ، وَرَجَمُوهُمْ، وَهَاجُوا عَلَيْهِمْ.
وَسَمِعَ النَّاسُ الصِّيَاحَ، فَظَنُّوا أَنَّ الْمَلِكَ الرَّحِيمَ وَعَسْكَرَهُ قَدْ عَزَمُوا عَلَى قِتَالِ طُغْرُلْبَك، فَارْتَجَّ الْبَلَدُ مِنْ أَقْطَارِهِ، وَأَقْبَلُوا مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، يَقْتُلُونَ مِنَ الْغُزِّ مَنْ وُجِدَ فِي مَحَالِّ بَغْدَاذَ، إِلَّا أَهْلَ الْكَرْخِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا إِلَى الْغُزِّ، بَلْ جَمَعُوهُمْ وَحَفِظُوهُمْ.
وَبَلَغَ السُّلْطَانَ طُغْرُلْبَك مَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْكَرْخِ مِنْ حِمَايَةِ أَصْحَابِهِ، فَأَمَرَ بِإِحْسَانِ مُعَامَلَتِهِمْ. فَأَرْسَلَ عَمِيدُ الْمَلِكِ الْوَزِيرُ، إِلَى عَدْنَانَ بْنِ الرَّضِيِّ، نَقِيبِ الْعَلَوِيِّينَ، يَأْمُرُهُ بِالْحُضُورِ، فَحَضَرَ، فَشَكَرَهُ عَنِ السُّلْطَانِ، وَتَرَكَ عِنْدَهُ خَيْلًا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ تَحْرُسُهُ وَتَحْرُسُ الْمَحَلَّةَ.
وَأَمَّا عَامَّةُ بَغْدَاذَ، فَلَمْ يَقْنَعُوا بِمَا عَمِلُوا، حَتَّى خَرَجُوا وَمَعَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَى ظَاهِرِ بَغْدَاذَ، يَقْصِدُونَ الْعَسْكَرَ السُّلْطَانِيَّ، فَلَوْ تَبِعَهُمُ الْمَلِكُ الرَّحِيمُ وَعَسْكَرُهُ لَبَلَغُوا مَا أَرَادُوا، لَكِنْ تَخَلَّفُوا، وَدَخَلَ أَعْيَانُ أَصْحَابِهِ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، وَأَقَامُوا بِهَا نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ.
وَأَمَّا عَسْكَرُ طُغْرُلْبَك فَلَمَّا رَأَوْا فِعْلَ الْعَامَّةِ وَظُهُورَهُمْ مِنَ الْبَلَدِ قَاتَلُوهُمْ، فَقُتِلَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَانْهَزَمَتِ الْعَامَّةُ، وَجُرِحَ فِيهِمْ وَأُسِرَ كَثِيرٌ، وَنَهَبَ الْغُزُّ دَرْبَ يَحْيَى، وَدَرْبَ سُلَيْمٍ، وَبِهِ دُورُ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ وَدُورُ أَهْلِهِ، فَنُهِبَ الْجَمِيعُ، وَنُهِبَتِ الرُّصَافَةُ، وَتُرَبُ الْخُلَفَاءِ، وَأُخِذَ مِنْهَا مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا يُحْصَى، لِأَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْأَصْقَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute