ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ عَبِيدِ الْمُعِزِّ بْنِ بَادِيسَ وَعَبِيدِ ابْنِهِ تَمِيمٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ عَبِيدِ الْمُعِزِّ، الْمُقِيمِينَ بِالْمَهْدِيَّةِ، وَعَبِيدِ ابْنِهِ تَمِيمٍ، بِسَبَبِ مُنَازَعَةٍ أَدَّتْ إِلَى الْمُقَاتَلَةِ، فَقَامَتْ عَامَّةُ زَوِيلَةَ وَسَائِرُ مَنْ بِهَا مِنْ رِجَالِ الْأُسْطُولِ مَعَ عَبِيدِ تَمِيمٍ، فَأَخْرَجُوا عَبِيدَ الْمُعِزِّ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ، وَمَضَى الْبَاقُونَ مِنْهُمْ يُرِيدُونَ الْمَسِيرَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، فَوَضَعَ عَلَيْهِمْ تَمِيمٌ الْعَرَبَ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ جَمْعًا غَفِيرًا، وَهَذِهِ النَّوْبَةُ هِيَ سَبَبُ قَتْلِ تَمِيمٍ مَنْ قَتَلَ مِنْ عَبِيدِ أَبِيهِ لَمَّا مَلَكَ.
ذِكْرُ ابْتِدَاءِ دَوْلَةِ الْمُلَثَّمِينَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ ابْتِدَاءُ أَمْرِ الْمُلَثَّمِينَ، وَهُمْ عِدَّةُ قَبَائِلَ يُنْسَبُونَ إِلَى حِمْيَرَ، أَشْهَرُهَا: لَمْتُونَةُ، وَمِنْهَا أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ بْنِ تَاشَفِينَ، وَجَدَّالَةُ، وَلَمْطَةُ.
وَكَانَ أَوَّلُ مَسِيرِهِمْ مِنَ الْيَمَنِ أَيَّامَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَيَّرَهُمْ إِلَى الشَّامِ، وَانْتَقَلُوا إِلَى مِصْرَ، وَدَخَلُوا الْمَغْرِبَ مَعَ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ، وَتَوَجَّهُوا مَعَ طَارِقٍ إِلَى طَنْجَةَ، فَأَحَبُّوا الِانْفِرَادَ، فَدَخَلُوا الصَّحْرَاءَ وَاسْتَوْطَنُوهَا إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ.
فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةُ تَوَجَّهَ رَجُلٌ مِنْهُمُ، اسْمُهُ الْجَوْهَرُ، مِنْ قَبِيلَةِ جَدَّالَةَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، طَالِبًا لِلْحَجِّ، وَكَانَ مُحِبًّا لِلدِّينِ وَأَهْلِهِ، فَمَرَّ بِفَقِيهٍ بِالْقَيْرَوَانِ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ يَتَفَقَّهُونَ، قِيلَ: هُوَ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ فِي غَالِبِ الظَّنِّ، فَأَصْغَى الْجَوْهَرُ إِلَيْهِ، وَأَعْجَبَهُ حَالُهُمْ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الْحَجِّ قَالَ لِلْفَقِيهِ: مَا عِنْدَنَا فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ هَذَا شَيْءٌ غَيْرَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَالصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الْخَاصَّةِ، فَابْعَثْ مَعِي مَنْ يُعَلِّمُهُمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَاسِينَ الْكُزُولِيُّ، وَكَانَ فَقِيهًا، صَالِحًا، شَهْمًا، فَسَارَ مَعَهُ حَتَّى أَتَيَا قَبِيلَةَ لَمْتُونَةَ، فَنَزَلَ الْجَوْهَرُ عَنْ جَمَلِهِ، وَأَخَذَ بِزِمَامِ جَمَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَاسِينَ، تَعْظِيمًا لِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، فَأَقْبَلُوا إِلَى الْجَوْهَرِ يُهَنِّئُونَهُ بِالسَّلَامَةِ، وَسَأَلُوهُ عَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute