الْفَقِيهِ فَقَالَ: هَذَا حَامِلٌ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَاءَ يُعَلِّمُكُمْ مَا يَلْزَمُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ. فَرَحَّبُوا بِهِمَا وَأَنْزَلُوهُمَا، وَقَالُوا: تَذْكُرُ لَنَا شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ. فَعَرَّفَهُمْ عَقَائِدَ الْإِسْلَامِ وَفَرَائِضَهُ، فَقَالُوا: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَهُوَ قَرِيبٌ، وَأَمَّا قَوْلُكَ: مَنْ قَتَلَ يُقْتَلُ، وَمَنْ سَرَقَ يُقْطَعُ، وَمَنْ زَنَى يُجْلَدُ أَوْ يُرْجَمُ - فَأَمْرٌ لَا نَلْتَزِمُهُ، اذْهَبْ إِلَى غَيْرِنَا.
فَرَحَلَا عَنْهُمْ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ: لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْجَمَلِ فِي هَذِهِ الصَّحْرَاءِ شَأْنٌ يُذْكَرُ فِي الْعَالَمِ. فَانْتَهَى الْجَوْهَرُ وَالْفَقِيهُ إِلَى جَدَّالَةَ، قَبِيلِ الْجَوْهَرِ، فَدَعَاهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَاسِينَ وَالْقَبَائِلَ الَّذِينَ يُجَاوِرُونَهُمْ إِلَى حُكْمِ الشَّرِيعَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَطَاعَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَعْرَضَ وَعَصَى.
ثُمَّ إِنَّ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ تَحَيَّزُوا وَتَجَمَّعُوا، فَقَالَ ابْنُ يَاسِينَ لِلَّذِينِ أَطَاعُوا: قَدْ وَجَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُقَاتِلُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَالَفُوا الْحَقَّ، وَأَنْكَرُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، وَاسْتَعَدُّوا لِقِتَالِكُمْ، فَأَقِيمُوا لَكُمْ رَايَةً، وَقَدِّمُوا عَلَيْكُمْ أَمِيرًا. فَقَالَ لَهُ الْجَوْهَرُ: أَنْتَ الْأَمِيرُ. فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا أَنَا حَامِلُ أَمَانَةِ الشَّرِيعَةِ، وَلَكِنْ أَنْتَ الْأَمِيرُ. فَقَالَ الْجَوْهَرُ: لَوْ فَعَلْتُ هَذَا تَسَلَّطَ قَبِيلِي عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونُ وِزْرُ ذَلِكَ عَلَيَّ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ يَاسِينَ: الرَّأْيُ أَنْ نُوَلِّيَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عُمَرَ، رَأْسَ لَمْتُونَةَ وَكَبِيرَهَا، وَهُوَ رَجُلٌ سَيِّدٌ، مَشْكُورُ الطَّرِيقِ، مُطَاعٌ فِي قَوْمِهِ، فَهُوَ يَسْتَجِيبُ لَنَا لِحُبِّ الرِّئَاسَةِ، وَتَتْبَعُهُ قَبِيلَتُهُ، فَنَتَقَوَّى بِهِمْ.
فَأَتَيَا أَبَا بَكْرِ بْنَ عُمَرَ، وَعَرَضَا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَأَجَابَ، فَعَقَدُوا لَهُ الْبَيْعَةَ، وَسَمَّاهُ ابْنُ يَاسِينَ أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَادُوا إِلَى جَدَّالَةَ، وَجَمَعُوا إِلَيْهِمْ مَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَحَرَّضَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَاسِينَ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَسَمَّاهُمْ مُرَابِطِينَ، وَتَجَمَّعَ عَلَيْهِمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، فَلَمْ يُقَاتِلْهُمُ الْمُرَابِطُونَ، بَلِ اسْتَعَانَ ابْنُ يَاسِينَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ عَلَى أُولَئِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute