الْأَشْرَارِ بِالْمُصْلِحِينَ مِنْ قَبَائِلِهِمْ، فَاسْتَمَالُوهُمْ وَقَرَّبُوهُمْ حَتَّى حَصَّلُوا مِنْهُمْ نَحْوَ أَلْفَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْفَسَادِ، فَتَرَكُوهُمْ فِي مَكَانٍ، وَخَنْدَقُوا عَلَيْهِمْ وَحَفِظُوهُمْ، ثُمَّ أَخْرَجُوهُمْ قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ، فَقَتَلُوهُمْ، فَحِينَئِذٍ دَانَتْ لَهُمْ أَكْثَرُ قَبَائِلِ الصَّحْرَاءِ، وَهَابُوهُمْ، فَقَوِيَتْ شَوْكَةُ الْمُرَابِطِينَ.
هَذَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَاسِينَ مُشْتَغِلٌ بِالْعِلْمِ، وَقَدْ صَارَ عِنْدَهُ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ يَتَفَقَّهُونَ، وَلَمَّا اسْتَبَدَّ بِالْأَمْرِ هُوَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْجَوْهَرِ الْجَدَّالِيِّ، وَبَقِيَ لَا حُكْمَ لَهُ - تَدَاخَلَهُ الْحَسَدُ، وَشَرَعَ سِرًّا فِي فَسَادِ الْأَمْرِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسٌ، وَثَبَتَ عَلَيْهِ مَا نُقِلَ عَنْهُ، فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ نَكَثَ الْبَيْعَةَ وَشَقَّ الْعَصَا، وَأَرَادَ مُحَارَبَةَ أَهْلِ الْحَقِّ، فَقُتِلَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَأَظْهَرَ السُّرُورَ بِالْقَتْلِ طَلَبًا لِلِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. فَاجْتَمَعَتِ الْقَبَائِلُ عَلَى طَاعَتِهِمْ، وَمَنْ خَالَفَهُمْ قَتَلُوهُ.
فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ قَحَطَتْ بِلَادُهُمْ، (فَأَمَرَ ابْنُ يَاسِينَ ضُعَفَاءَهُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَى السُّوسِ وَأَخْذِ الزَّكَاةِ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ نَحْوُ تِسْعِمِائَةِ رَجُلٍ، فَقَدِمُوا سِجِلْمَاسَةَ، وَطَلَبُوا الزَّكَاةَ، فَجَمَعُوا لَهُمْ شَيْئًا لَهُ قَدْرٌ وَعَادُوا.
ثُمَّ إِنَّ الصَّحْرَاءَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ، وَأَرَادُوا إِظْهَارَ كَلِمَةِ الْحَقِّ، وَالْعُبُورَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ لِيُجَاهِدُوا الْكُفَّارَ، فَخَرَجُوا إِلَى السُّوسِ الْأَقْصَى، فَجَمَعَ لَهُمْ أَهْلُ السُّوسِ وَقَاتَلُوهُمْ، فَانْهَزَمَ الْمُرَابِطُونَ، وَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَاسِينَ الْفَقِيهُ، فَعَادَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ فَجَمَعَ جَيْشًا وَخَرَجَ إِلَى السُّوسِ فِي أَلْفَيْ رَاكِبٍ، فَاجْتَمَعَ مِنْ بِلَادِ السُّوسِ وَزِنَاتَةَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: افْتَحُوا لَنَا الطَّرِيقَ لِنَجُوزَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ وَنُجَاهِدَ أَعْدَاءَ الْإِسْلَامِ. فَأَبَوْا ذَلِكَ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، وَدَعَا اللَّهَ - تَعَالَى - وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنَّا عَلَى الْحَقِّ فَانْصُرْنَا، وَإِلَّا فَأَرِحْنَا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا. ثُمَّ قَاتَلَهُمْ وَصَدَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ الْقِتَالَ، فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَهَزَمَ أَهْلَ السُّوسِ وَمَنْ مَعَهُمْ وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَغَنِمَ الْمُرَابِطُونَ أَمْوَالَهُمْ وَأَسْلَابَهُمْ، وَقَوِيَتْ نَفْسُهُ وَنُفُوسُ أَصْحَابِهِ، وَسَارُوا إِلَى سِجِلْمَاسَةَ فَنَزَلُوا عَلَيْهَا، وَطَلَبُوا مِنْ أَهْلِهَا الزَّكَاةَ، فَامْتَنَعُوا عَلَيْهِمْ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ صَاحِبُ سِجِلْمَاسَةَ فَقَاتَلَهُمْ، فَهَزَمُوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute