وَقَتَلُوهُ، وَدَخَلُوا سِجِلْمَاسَةَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ يُوسُفَ بْنِ تَاشَفِينَ
لَمَّا مَلَكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ سِجِلْمَاسَةَ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا يُوسُفَ بْنَ تَاشَفِينَ اللَّمْتُونِيَّ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ الْأَقْرَبِينَ، وَرَجَعَ إِلَى الصَّحْرَاءِ، فَأَحْسَنَ يُوسُفُ السِّيرَةَ فِي الرَّعِيَّةِ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ سِوَى الزَّكَاةِ، فَأَقَامَ بِالصَّحْرَاءِ مُدَّةً، ثُمَّ عَادَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ إِلَى سِجِلْمَاسَةَ، فَأَقَامَ بِهَا سَنَةً، وَالْخُطْبَةُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَهُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا ابْنَ أَخِيهِ أَبَا بَكْرِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ، وَجَهَّزَ مَعَ يُوسُفَ بْنِ تَاشَفِينَ جَيْشًا مِنَ الْمُرَابِطِينَ إِلَى السُّوسِ، فَفُتِحَ عَلَى يَدَيْهِ.
وَكَانَ يُوسُفُ رَجُلًا دَيِّنًا، خَيِّرًا، حَازِمًا، دَاهِيَةً، مُجَرِّبًا، وَبَقُوا كَذَلِكَ إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ بِالصَّحْرَاءِ، فَاجْتَمَعَتْ طَوَائِفُ الْمُرَابِطِينَ عَلَى يُوسُفَ بْنِ تَاشَفِينَ، وَمَلَّكُوهُ عَلَيْهِمْ، وَلَقَّبُوهُ أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتِ الدَّوْلَةُ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ لِزِنَاتَةَ الَّذِينَ ثَارُوا فِي أَيَّامِ الْفِتَنِ، وَهِيَ دَوْلَةٌ رَدِيَّةٌ مَذْمُومَةٌ، سَيِّئَةُ السِّيرَةِ، لَا سِيَاسَةَ وَلَا دِيَانَةَ، (وَكَانَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ وَطَائِفَتُهُ عَلَى نَهْجِ السُّنَّةِ، وَاتِّبَاعِ الشَّرِيعَةِ) ، فَاسْتَغَاثَ بِهِ أَهْلُ الْمَغْرِبِ، فَسَارَ إِلَيْهَا وَافْتَتَحَهَا حِصْنًا حِصْنًا، وَبَلَدًا بَلَدًا بِأَيْسَرِ سَعْيٍ، فَأَحَبَّهُ الرَّعَايَا، وَصَلُحَتْ أَحْوَالُهُمْ.
ثُمَّ إِنَّهُ قَصَدَ مَوْضِعَ مَدِينَةِ مَرَّاكُشَ، وَهُوَ قَاعٌ صَفْصَفٌ، لَا عِمَارَةَ فِيهِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ مُتَوَسِّطٌ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ كَالْقَيْرَوَانِ فِي إِفْرِيقِيَّةَ، وَمَرَّاكُشُ تَحْتَ جِبَالِ الْمَصَامِدَةِ الَّذِينَ هُمْ أَشَدُّ أَهْلِ الْمَغْرِبِ قُوَّةً، وَأَمْنَعُهُمْ مَعْقِلًا، فَاخْتَطَّ هُنَاكَ مَدِينَةَ مَرَّاكُشَ لِيَقْوَى عَلَى قَمْعِ أَهْلِ تِلْكَ الْجِبَالِ إِنْ هَمُّوا بِفِتْنَةٍ، وَاتَّخَذَهَا مَقَرًّا، فَلَمْ يَتَحَرَّكْ أَحَدٌ بِفِتْنَةٍ، وَمَلَكَ الْبِلَادَ الْمُتَّصِلَةَ بِالْمَجَازِ مِثْلَ سَبْتَةَ، وَطَنْجَةَ، وَسَلَا، وَغَيْرِهَا، وَكَثُرَتْ عَسَاكِرُهُ.
وَخَرَجَتْ جَمَاعَةُ قَبِيلَةِ لَمْتُونَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَضَيَّقُوا حِينَئِذٍ لِثَامَهُمْ، وَكَانُوا قَبْلَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute