فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، فَانْحَدَرَ إِلَيْهَا، (فَصَارَ عِنْدَهُ) جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِهَا، وَجَنَّدَ جَمَاعَةً عَظِيمَةً، وَتَقَوَّى بِالْبَطَائِحِيِّينَ، وَحَفَرَ عَلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِنْ وَاسِطٍ خَنْدَقًا، وَبَنَى عَلَيْهِ سُورًا، وَأَخَذَ ضَرِيبَةً مِنْ سُفُنٍ أُصْعِدَتْ لِلْخَلِيفَةِ، فَسَيَّرَ لِحَرْبِهِ عَمِيدَ الْعِرَاقِ أَبُو نَصْرٍ، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ ابْنُ الْمُحْلِبَانِ، وَأُسِرَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَوَصَلَ أَبُو نَصْرٍ إِلَى السُّورِ، فَقَاتَلَهُ الْعَامَّةُ مِنْ عَلَى السُّورِ.
ثُمَّ تَسَلَّمَ الْبَلَدَ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ بِطَمِّ الْخَنْدَقِ، وَتَخْرِيبِ السُّورِ، ثُمَّ أَصْعَدَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَلَمَّا فَارَقَهَا (عَادَ إِلَيْهَا) ابْنُ فَسَانْجِسَ، وَنَهَبَ قَرْيَةَ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَتَلَ كُلَّ أَعْمَى رَآهُ بِوَاسِطٍ، وَأَعَادَ خُطْبَةَ الْمِصْرِيِّينَ، وَأَمَرَ أَهْلَ كُلِّ مَحَلَّةٍ بِعِمَارَةِ مَا يَلِيهِمْ مِنَ السُّورِ.
وَمَضَى مَنْصُورُ بْنُ الْحُسَيْنِ إِلَى الْمَدَارِ، وَأَرْسَلَ إِلَى بَغْدَاذَ يَطْلُبُ الْمَدَدَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمِيدُ الْعِرَاقِ وَرَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ يَأْمُرَانِهِ أَنْ يَقْصِدَ وَاسِطًا هُوَ وَابْنُ الْهَيْثَمِ، وَأَنْ يُحَاصِرَاهَا، فَأَقْبَلَا إِلَيْهَا فِيمَنْ مَعَهُمَا وَحَصَرُوهَا فِي الْمَاءِ وَالْبَرِّ، وَكَانَ هَذَا الْحِصَارُ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، فَاشْتَدَّ فِيهَا الْغَلَاءُ حَتَّى بِيعَ التَّمْرُ وَالْخُبْزُ وَكُرُوشُ الْبَقَرِ، كُلُّ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ بِدِينَارٍ، وَإِذَا وُجِدَ الْخُبَّازَى بَاعُوهُ كُلَّ عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِينَارٍ.
ثُمَّ ضَعُفُوا وَضَجِرُوا مِنَ الْحِصَارِ، فَخَرَجَ ابْنُ فَسَانْجِسَ لِيُقَاتِلَ، فَلَمْ يَثْبُتْ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَانْهَزَمُوا إِلَى سُورِ الْبَلَدِ، وَاسْتَأْمَنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْوَاسِطِيِّينَ إِلَى مَنْصُورِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَفَارَقَ ابْنُ فَسَانْجِسَ وَاسِطًا، وَمَضَى إِلَى قَصْرِ ابْنِ أَخْضَرَ، وَسَارَ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَسْكَرِ لِيُقَاتِلُوهُ، فَأَدْرَكُوهُ بِقُرْبِ النِّيلِ، فَأُسِرَ هُوَ وَأَهْلُهُ، وَحُمِلَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَدَخَلَهَا فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] وَشُهِّرَ عَلَى جَمَلٍ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ أَحْمَرُ، وَعَلَى رَأْسِهِ طُرْطُورٌ بِوَدَعٍ، وَصُلِبَ.
ذِكْرُ الْوَقْعَةِ بَيْنَ الْبَسَاسِيرِيِّ وَقُرَيْشٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَلْخَ شَوَّالٍ كَانَتْ وَقْعَةٌ بَيْنَ الْبَسَاسِيرِيِّ وَمَعَهُ نُورُ الدَّوْلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute