فَقَبَّلَ الْأَرْضَ، وَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِإِفَاضَةِ الْخِلَعِ عَلَيْهِ، فَقَامَ إِلَى مَوْضِعٍ لَبِسَهَا فِيهِ وَعَادَ، وَقَبَّلَ يَدَ الْخَلِيفَةِ وَوَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ، وَخَاطَبَهُ الْخَلِيفَةُ بِمَلِكِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَأُعْطِيَ الْعَهْدَ، وَخَرَجَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ خِدْمَةً كَثِيرَةً، مِنْهَا خَمْسُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَخَمْسُونَ مَمْلُوكًا أَتْرَاكًا مِنْ أَجْوَدِ مَا يَكُونُ، وَمَعَهُمْ خُيُولُهُمْ وَسِلَاحُهُمْ، وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ هَزَارَسْبَ وَفُولَاذٍ
كَانَ السُّلْطَانُ قَدْ ضَمَّنَ هَزَارَسْبَ بْنَ بُنْكِيرَ بْنِ عِيَاضٍ الْبَصْرَةَ، وَأَرَّجَانَ، وَخُوزِسْتَانَ، وَشِيرَازَ، فَتَجَرَّدَ رَسُولْتِكِينُ ابْنُ عَمِّ السُّلْطَانِ وَمَعَهُ فُولَاذٌ لِهَزَارَسْبَ، وَقَصَدَا أَرَّجَانَ وَنَهَبَاهَا.
وَكَانَ هَزَارَسْبُ مَعَ طُغْرُلْبَك بِالْمَوْصِلِ وَالْجَزِيرَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ السُّلْطَانُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ رَدَّ هَزَارَسْبَ إِلَى بِلَادِهِ، وَأَمَرَهُ بِقِتَالِ رَسُولْتِكِينَ وَفُولَاذٍ، فَسَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَصَادَرَ بِهَا تَاجَ الدِّينِ بْنَ سَخْطَةَ الْعَلَوِيَّ وَابْنَ سَمْحَا الْيَهُودِيَّ بِمِائَةِ أَلْفٍوَعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى قِتَالِ فُولَاذٍ وَرَسُولْتِكِينَ فَلَقِيَهُمَا، وَقَاتَلَهُمَا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ فُولَاذٌ، وَأُسِرَ رَسُولْتِكِينُ ابْنُ عَمِّ السُّلْطَانِ، فَأَبْقَى عَلَيْهِ هَزَارَسْبُ، فَسَأَلَ رَسُولْتِكِينُ هَزَارَسْبَ لِيُرْسِلَهُ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ لِيُشَفِّعَ فِيهِ الْخَلِيفَةَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
وَوَصَلَ بَغْدَاذَ مَعَ أَصْحَابِ هَزَارَسْبَ، فَاجْتَازَ بِدَارِ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، فَهَجَمَ وَدَخَلَهَا، وَاسْتَدْعَى طَعَامًا إِيجَازًا لِلْحُرْمَةِ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِإِحْضَارِ عَمِيدِ الْمُلْكِ (وَإِعْلَامِهِ بِحَالِ رَسُولْتِكِينَ لِيُخَاطِبَ السُّلْطَانَ فِي أَمْرِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ عَمِيدُ الْمُلْكِ) وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ: إِنَّ السُّلْطَانَ يَقُولُ إِنَّ هَذَا لَا حُرْمَةَ لَهُ يَسْتَحِقُّ بِهَا الْمُرَاعَاةَ، وَقَدْ قَابَلَ إِحْسَانِي بِالْعِصْيَانِ، وَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ لِيَتَحَقَّقَ النَّاسُ مَنْزِلَتِي، وَتَتَضَاعَفَ هَيْبَتِي. فَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ بَعْدَ مُرَاجَعَةٍ عَلَى أَنْ يُقَيِّدَهُ، وَخَرَجَ تَوْقِيعُ الْخَلِيفَةِ: إِنَّ مَنْزِلَةَ رُكْنِ الدِّينِ - يَعْنِي طُغْرُلْبَك -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute