عِنْدَنَا اقْتَضَتْ مَا لَمْ نَفْعَلْهُ مَعَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِتَقْيِيدِ أَحَدٍ فِي الدَّارِ الْعَزِيزَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرِّضَا فِي جَوَابِ مَا فَعَلَ. فَرَاسَلَهُ رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ حَتَّى رَضِيَ.
وَقَدْ كَانَتْ دَارُ الْخِلَافَةِ أَيَّامَ بَنِي بُوَيْهٍ مَلْجَأً لِكُلِّ خَائِفٍ مِنْهُمْ، مِنْ وَزِيرٍ وَعَمِيدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَفِي الْأَيَّامِ السَّلْجُوقِيَّةِ سُلِكَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ فَعَلُوهُ هَذَا.
ذِكْرُ الْقَبْضِ عَلَى الْوَزِيرِ الْيَازُورِيِّ بِمِصْرَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي ذِي الْحِجَّةِ، قُبِضَ بِمِصْرَ عَلَى الْوَزِيرِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْيَازُورِيِّ، وَقُرِّرَ عَلَيْهِ أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ مِنْهُ وَمِنْ أَصْحَابِهِ، وَوُجِدَ لَهُ مُكَاتَبَاتٌ إِلَى بَغْدَاذَ.
وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ قَدْ حَجَّ، فَلَمَّا قَضَى حَجَّهُ أَتَى الْمَدِينَةَ، وَزَارَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَقَطَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ قِطْعَةٌ مِنَ الْخَلُوقِ الَّذِي عَلَى حَائِطِ الْحُجْرَةِ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُ الْقُوَّامِ: أَيُّهَا الشَّيْخُ إِنِّي أُبَشِّرُكَ، وَلِي الْحِبَاءُ وَالْكَرَامَةُ إِذْ بَلَغْتَهُ، أَنَّكَ تَلِي وِلَايَةً عَظِيمَةً، وَهَذَا الْخَلُوقُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ.
فَلَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى وَلِيَ الْوِزَارَةَ، وَأَحْسَنَ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ وَرَعَاهُ.
وَكَانَ يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ قَاضِيًا بِالرَّمْلَةِ، يُكْرِمُ الْعُلَمَاءَ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُجَالِسُهُمْ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ أَمْرِهِ كَابْتِدَاءِ أَمْرِ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ: الشَّهَادَةُ، وَالْقَضَاءُ، وَكَانَتْ سَعَادَتُهُمَا مُتَّفِقَةً، وَنِهَايَتُهُمَا مُتَقَارِبَةً.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ زَادَ الْغَلَاءُ بِبَغْدَاذَ وَالْعِرَاقِ حَتَّى بِيعَتْ كَارَةُ الدَّقِيقِ السَّمِيدِ بِثَلَاثَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute