للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: قَدْ أَذَمَّ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ. قَالَ: وَلِي وَلِمَنْ مَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَخَلَعَ قَلَنْسُوَتَهُ فَأَعْطَاهَا الْخَلِيفَةَ، وَأَعْطَى مَخْصَرَتُهُ رَئِيسَ الرُّؤَسَاءِ ذِمَامًا، فَنَزَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ وَرَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ مِنَ الْبَابِ الْمُقَابِلِ لِبَابِ الْحَلْبَةِ، وَصَارَا مَعَهُ.

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْبَسَاسِيرِيُّ: أَتُخَالِفُ مَا اسْتَقَرَّ بَيْنَنَا، وَتَنْقُضُ مَا تَعَاهَدْنَا عَلَيْهِ؟ فَقَالَ قُرَيْشٌ: لَا. وَكَانَا قَدْ تَعَاهَدَا عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الَّذِي يَحْصُلُ لَهُمَا، وَأَنْ لَا يَسْتَبِدَّ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ بِشَيْءٍ، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ قُرَيْشٌ رَئِيسَ الرُّؤَسَاءِ إِلَى الْبَسَاسِيرِيِّ ; لِأَنَّهُ عَدُوُّهُ، وَيَتْرُكَ الْخَلِيفَةَ عِنْدَهُ، فَأَرْسَلَ قُرَيْشٌ رَئِيسَ الرُّؤَسَاءِ إِلَى الْبَسَاسِيرِيِّ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: مَرْحَبًا بِمُهْلِكِ الدُّوَلِ، وَمُخَرِّبِ الْبِلَادِ! فَقَالَ: الْعَفْوَ عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ. فَقَالَ الْبَسَاسِيرِيُّ: فَقَدْ قَدَرْتَ فَمَا عَفَوْتَ، وَأَنْتَ صَاحِبُ طَيْلَسَانَ، وَرَكِبْتَ الْأَفْعَالَ الشَّنِيعَةَ مَعَ حُرَمِي وَأَطْفَالِي، فَكَيْفَ أَعْفُو أَنَا، وَأَنَا صَاحِبُ السَّيْفِ؟

وَأَمَّا الْخَلِيفَةُ فَإِنَّهُ حَمَلَهُ قُرَيْشٌ رَاكِبًا إِلَى مُعَسْكَرِهِ وَعَلَيْهِ السَّوَادُ وَالْبُرْدَةُ، وَبِيَدِهِ السَّيْفُ، وَعَلَى رَأْسِهِ اللِّوَاءُ، وَأَنْزَلَهُ فِي خَيْمَةٍ، وَأَخَذَ أَرْسِلَانَ خَاتُونَ، (زَوْجَةَ الْخَلِيفَةِ، وَهِيَ) ابْنَةُ أَخِي السُّلْطَانِ طُغْرُلْبَك، فَسَلَّمَهَا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرْدَةَ لِيَقُومَ بِخِدْمَتِهَا.

وَنُهِبَتْ دَارُ الْخِلَافَةِ وَحَرِيمُهَا أَيَّامًا، وَسَلَّمَ قُرَيْشٌ الْخَلِيفَةَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ مُهَارِشَ بْنِ الْمُجَلِّي، وَهُوَ رَجُلٌ فِيهِ دِينٌ، وَلَهُ مُرُوءَةٌ. فَحَمَلَهُ فِي هَوْدَجٍ وَسَارَ بِهِ إِلَى حَدِيثَةِ عَانَةَ، فَتَرَكَهُ بِهَا، وَسَارَ مَنْ كَانَ مَعَ الْخَلِيفَةِ مِنْ خَدَمِهِ وَأَصْحَابِهِ إِلَى السُّلْطَانِ طُغْرُلْبَك مُسْتَنْفِرِينَ.

فَلَمَّا وُصَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الْأَنْبَارِ شَكَا الْبَرْدَ، فَأَنْفَذَ إِلَى مُقَدَّمِهَا يَطْلُبُ مِنْهُ مَا يَلْبَسُهُ، فَأَرْسَلَ لَهُ جُبَّةً فِيهَا قُطْنٌ وَلِحَافًا.

وَأَمَّا الْبَسَاسِيرِيُّ فَإِنَّهُ رَكِبَ يَوْمَ عِيدِ النَّحْرِ، وَعَبَرَ إِلَى الْمُصَلَّى بِالْجَانِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>