الْبَسَاسِيرِيِّ وَعَادُوا، وَخَطَبَ الْبَسَاسِيرِيُّ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ لِلْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ الْعَلَوِيِّ صَاحِبِ مِصْرَ، وَأَمَرَ فَأُذِّنَ بِحَيِّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَعَقَدَ الْجِسْرَ، وَعَبَرَ عَسْكَرُهُ إِلَى الزَّاهِرِ وَخَيَّمُوا فِيهِ، وَخَطَبَ فِي الْجُمُعَةِ مِنْ وُصُولِهِ (بِجَامِعِ الرُّصَافَةِ) لِلْمِصْرِيِّ، وَجَرَى بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ حُرُوبٌ فِي أَثْنَاءِ الْأُسْبُوعِ.
وَكَانَ عَمِيدُ الْعِرَاقِ يُشِيرُ عَلَى رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ بِالتَّوَقُّفِ عَنِ الْمُنَاجَزَةِ، وَيَرَى الْمُحَاجَزَةَ وَمُطَاوَلَةَ الْأَيَّامِ انْتِظَارًا لِمَا يَكُونُ مِنَ السُّلْطَانِ، وَلِمَا يَرَاهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ بِسَبَبِ مَيْلِ الْعَامَّةِ إِلَى الْبَسَاسِيرِيِّ، أَمَّا الشِّيعَةُ فَلِلْمَذْهَبِ، وَأَمَّا السَّنَةُ فَلِمَا فَعَلَ بِهِمُ الْأَتْرَاكُ.
وَكَانَ رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِالْحَرْبِ وَلِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْبَسَاسِيرِيِّ يَرَى الْمُبَادَرَةَ إِلَى الْحَرْبِ، فَاتَّفَقَ أَنَّ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ حَضَرَ الْقَاضِي الْهَمَذَانِيُّ عِنْدَ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، وَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْحَرْبِ، وَضَمِنَ لَهُ قَتْلَ الْبَسَاسِيرِيِّ، فَأَذِنَ لَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ عَمِيدِ الْعِرَاقِ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ الْخَدَمُ وَالْهَاشِمِيُّونَ وَالْعَجَمُ وَالْعَوَّامُ إِلَى الْحَلْبَةِ، وَأَبْعَدُوا، وَالْبَسَاسِيرِيُّ يَسْتَجِرُّهُمْ، فَلَمَّا أَبْعَدُوا حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَعَادُوا مُنْهَزِمِينَ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَمَاتَ فِي الزَّحْمَةِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ، وَنُهِبَ بَابُ الْأَزَجِّ، وَكَانَ رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ وَاقِفًا دُونَ الْبَابِ، فَدَخَلَ الدَّارَ، وَهَرَبَ كُلُّ مَنْ فِي الْحَرِيمِ.
وَلَمَّا بَلَغَ عَمِيدَ الْعِرَاقِ فِعْلُ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ لَطَمَ عَلَى وَجْهِهِ كَيْفَ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ وَلَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالْحَرْبِ. وَرَجَعَ الْبَسَاسِيرِيُّ إِلَى مُعَسْكَرِهِ، وَاسْتَدْعَى الْخَلِيفَةُ عَمِيدَ الْعِرَاقِ وَأَمَرَهُ بِالْقِتَالِ عَلَى سُورِ الْحَرِيمِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا الزَّعْقَاتُ، وَقَدْ نُهِبَ الْحَرِيمُ، وَقَدْ دَخَلُوا بِبَابِ النُّوبِيِّ، فَرَكِبَ الْخَلِيفَةُ لَابِسًا لِلسَّوَادِ، وَعَلَى كَتِفِهِ الْبُرْدَةُ، وَبِيَدِهِ السَّيْفُ، وَعَلَى رَأْسِهِ اللِّوَاءُ، وَحَوْلَهُ زُمْرَةٌ مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَالْخَدَمِ بِالسُّيُوفِ الْمَسْلُولَةِ، فَرَأَى النَّهْبَ قَدْ وَصَلَ إِلَى بَابِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ دَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَى وَرَائِهِ، وَمَضَى نَحْوَ عَمِيدِ الْعِرَاقِ فَوَجَدَهُ قَدِ اسْتَأْمَنَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَعَادَ وَصَعِدَ الْمَنْظَرَةَ، وَصَاحَ رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ: يَا عَلَمَ الدِّينِ - يَعْنِي قُرَيْشًا - أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَدْنِيكَ. فَدَنَا مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ: قَدْ أَنَالَكَ اللَّهُ مَنْزِلَةً لَمْ يَنَلْهَا أَمْثَالُكَ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَذِمُّ مِنْكَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ بِذِمَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَذِمَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِمَامِ الْعَرَبِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute