وَسَارَ الْبَسَاسِيرِيُّ مِنْ بَغْدَاذَ إِلَى وَاسِطٍ وَالْبَصْرَةِ، فَمَلَكَهُمَا، وَأَرَادَ قَصْدَ الْأَهْوَازِ، فَأَنْفَذَ صَاحِبُهَا هَزَارَسْبُ بْنُ بُنْكِيرَ إِلَى دُبَيْسِ بْنِ مَزْيَدٍ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُصْلِحَ الْأَمْرَ عَلَى مَالٍ يَحْمِلُهُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُجِبِ الْبَسَاسِيرِيُّ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنَ الْخُطْبَةِ لِلْمُسْتَنْصِرِ، وَالسِّكَّةِ بِاسْمِهِ. فَلَمْ يَفْعَلْ هَزَارَسْبُ ذَلِكَ، وَرَأَى الْبَسَاسِيرِيُّ أَنَّ طُغْرُلْبَك يَمُدُّ هَزَارَسْبَ بِالْعَسَاكِرِ، فَصَالَحَهُ، وَأَصْعَدَ إِلَى وَاسِطٍ فِي مُسْتَهَلِّ شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَفَارَقَهُ صَدَقَةُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ، وَلَحِقَ بِهَزَارَسْبَ، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ بَعْدَ أَبِيهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
وَأَمَّا أَحْوَالُ السُّلْطَانِ طُغْرُلْبَك وَإِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ كَانَ فِي قِلَّةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَتْرَاكِ، وَحَلَفَ لَهُمْ أَنَّهُ لَا يُصَالِحُ أَخَاهُ طُغْرُلْبَك، وَلَا يُكَلِّفُهُمُ الْمَسِيرَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَكَانُوا يَكْرَهُونَهُ لِطُولِ مُقَامِهِمْ، وَكَثْرَةِ إِخْرَاجَاتِهِمْ، فَلَمْ يَقْوَ بِهِ طُغْرُلْبَك، وَأَتَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ ابْنَا أَخِيهِ أَرْتَاشَ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ، فَازْدَادَ بِهِمْ قُوَّةً، وَازْدَادَ طُغْرُلْبَك ضَعْفًا، فَانْزَاحَ (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) إِلَى الرَّيِّ، وَكَاتَبَ أَلْبَ أَرْسِلَانَ، وَيَاقُوتِيَّ، وَقَاوَرْتَ بِكْ، أَوْلَادَ أَخِيهِ دَاوُدَ، وَكَانَ دَاوُدُ قَدْ مَاتَ، (عَلَى مَا نَذْكُرُهُ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَلَكَ خُرَاسَانَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَلْبُ أَرْسِلَانُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ طُغْرُلْبَك يَسْتَدْعِيهِمْ إِلَيْهِ، فَجَاءُوا بِالْعَسَاكِرِ الْكَثِيرَةِ، فَلَقِيَ إِبْرَاهِيمَ بِالْقُرْبِ مِنَ الرَّيِّ، فَانْهَزَمَ إِبْرَاهِيمُ وَمَنْ مَعَهُ، وَأُخِذَ أَسِيرًا هُوَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَلَدَا أَخِيهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَخُنِقَ بِوَتَرِ قَوْسِهِ تَاسِعَ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَقُتِلَ وَلَدَا أَخِيهِ مَعَهُ.
وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ خَرَجَ عَلَى طُغْرُلْبَك مِرَارًا، فَعَفَا عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ فِي هَذِهِ الدَّفْعَةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ جَمِيعَ مَا جَرَى عَلَى الْخَلِيفَةِ كَانَ بِسَبَبِهِ، فَلِهَذَا لَمْ يَعْفُ عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute