وَلَمْ يَبْقَ بِبَغْدَاذَ مِنْ أَعْيَانِهَا مَنْ يَسْتَقْبِلُ الْخَلِيفَةَ غَيْرَ الْقَاضِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّامَغَانِيِّ، وَثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنَ الشُّهُودِ. وَتَقَدَّمَ السُّلْطَانُ فِي الْمَسِيرِ، فَوَصَلَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَجَلَسَ فِي بَابِ النُّوبِيِّ مَكَانَ الْحَاجِبِ، وَوَصَلَ الْخَلِيفَةُ فَقَامَ طُغْرُلْبِكْ، وَأَخَذَ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ، حَتَّى صَارَ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهِ، وَكَانَ وُصُولُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَعَبَرَ السُّلْطَانُ إِلَى مُعَسْكَرِهِ، وَكَانَتِ السَّنَةُ مُجْدِبَةً، وَلَمْ يَرَ النَّاسُ فِيهَا مَطَرًا، فَجَاءَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَهَنَّأَ الشُّعَرَاءُ الْخَلِيفَةَ وَالسُّلْطَانَ بِهَذَا الْأَمْرِ، وَدَامَ الْبَرْدُ بَعْدَ قُدُومِ الْخَلِيفَةِ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَمَاتَ بِالْجُوعِ وَالْعُقُوبَةِ عَدَدٌ لَا يُحْصَى، وَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ شِبْلٍ مِمَّنْ هَرَبَ مِنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْغَرِّ، فَوَقَعَ بِهِ غَيْرُهُمْ فَأَخَذُوا مَالَهُ فَقَالَ: خَرَجْنَا مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ خَوْفًا فَكَانَ فِرَارُنَا مِنْهُ إِلَيْهِ وَأَشْقَى النَّاسِ ذُو عَزْمٍ تَوَالَتْ مَصَائِبُهُ عَلَيْهِ مِنْ يَدَيْهِ تَضِيقُ عَلَيْهِ طُرُقُ الْعُذْرِ مِنْهَا وَيَقْسُو قَلْبُ رَاحِمِهِ عَلَيْهِ
ذِكْرُ قَتْلِ الْبَسَاسِيرِيِّ أَنْفَذَ السُّلْطَانُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخَلِيفَةِ فِي دَارِهِ جَيْشًا عَلَيْهِمْ خُمَارَتِكِين الطُّغْرَائِيُّ فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ نَحْوَ الْكُوفَةِ، فَأَضَافَ إِلَيْهِمْ سَرَايَا ابْنِ مَنِيعٍ الْخَفَاجِيِّ، وَكَانَ قَدْ قَالَ لِلسُّلْطَانِ: أَرْسِلْ مَعِي هَذِهِ الْعُدَّةَ حَتَّى أَمْضِيَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَأَمْنَعَ الْبَسَاسِيرِيَّ مِنَ الْإِصْعَادِ إِلَى الشَّامِ. وَسَارَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبِكْ فِي أَثَرِهِمْ، فَلَمْ يَشْعُرْ دُبَيْسُ بْنُ مَزْيَدٍ وَالْبَسَاسِيرِيُّ إِلَّا وَالسَّرِيَّةُ قَدْ وَصَلَتْ إِلَيْهِمْ ثَامِنَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْكُوفَةِ، بَعْدَ أَنْ نَهَبُوهَا، وَأَخَذَ نُورُ الدَّوْلَةِ دُبَيْسٌ رَحْلَهُ جَمِيعَهُ، وَأَحْدَرَهُ إِلَى الْبِطِّيخَةِ، وَجَعَلَ أَصْحَابُ نُورِ الدَّوْلَةِ دُبَيْسٍ يَرْحَلُونَ بِأَهْلِيهِمْ فَيَمْنَعُهُمُ الْأَتْرَاكُ، فَتَقَدَّمَ نُورُ الدَّوْلَةِ لِيَرُدَّ الْعَرَبَ إِلَى الْقِتَالِ، فَلَمْ يَرْجِعُوا فَمَضَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute