وَوَقَفَ الْبَسَاسِيرِيُّ فِي جَمَاعَتِهِ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْجَيْشُ، فَأُسِرَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ وَرَّامَ، وَأُسِرَ مَنْصُورٌ وَبَدْرَانُ وَحَمَّادٌ، بَنُو نُورِ الدَّوْلَةِ دُبَيْسٌ، وَضُرِبَ فَرَسُ الْبَسَاسِيرِيِّ بِنَشَّابَةٍ، وَأَرَادَ قَطْعَ تَجْفَافِهِ لِتَسْهُلَ عَلَيْهِ النَّجَاةُ فَلَمْ يَنْقَطِعْ، وَسَقَطَ عَنِ الْفَرَسِ، وَوَقَعَ فِي وَجْهِهِ ضَرْبَةٌ وَدَلَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْجَرْحَى، فَأَخَذَهُ كُمُشْتَكِينُ دَوَاتِي عَمِيدِ الْمُلْكِ الْكُنْدُرِيُّ وَقَتَلَهُ، وَحَمَلَ رَأْسَهُ إِلَى السُّلْطَانِ وَدَخَلَ الْجُنْدُ فِي الظَّعْنِ، فَسَاقُوهُ جَمِيعَهُ وَأُخِذَتْ أَمْوَالُ أَهْلِ بَغْدَاذَ وَأَمْوَالُ الْبَسَاسِيرِيِّ مَعَ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ. وَهَلَكَ مِنَ النَّاسِ الْخَلْقُ الْعَظِيمُ، وَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِحَمْلِ رَأْسِ الْبَسَاسِيرِيِّ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، فَحُمِلَ إِلَيْهَا وَوَصَلَ مُنْتَصَفَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَنُظِّفَ وَغُسِّلَ وَجُعِلَ عَلَى قَنَاةٍ وَطِيفَ بِهِ. وَصُلِبَ قُبَالَةَ بَابِ النَّوْبِيِّ.
وَكَانَ فِي أَسْرِ الْبَسَاسِيرِيِّ جَمَاعَةٌ مِنَ النِّسَاءِ الْمُتَعَلِّقَاتِ بِدَارِ الْخِلَافَةِ، فَأُخِذْنَ، وَأُكْرِمْنَ وَحُمِلْنَ إِلَى بَغْدَاذَ.
وَمَضَى نُورُ الدَّوْلَةِ دُبَيْسٌ إِلَى الْبَطِيحَةِ وَمَعَهُ زَعِيمُ الْمُلْكِ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحِيمِ، وَكَانَ مِنْ حَقِّ هَذِهِ الْحَوَادِثِ الْمُتَأَخِّرَةِ أَنْ تُذْكَرَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا هَاهُنَا لِأَنَّهَا كَالْحَادِثَةِ الْوَاحِدَةِ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَكَانَ الْبَسَاسِيرِيُّ مَمْلُوكًا تُرْكِيًّا مِنْ مَمَالِيكَ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ بْنِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ تَقَلَّبَتْ بِهِ الْأُمُورُ حَتَّى بَلَغَ هَذَا الْمَقَامَ الْمَشْهُورَ، وَاسْمُهُ أَرْسَلَانُ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحَارِثِ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَسَا مَدِينَةٌ بِفَارِسَ وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ عِوَضَ الْبَاءِ فَاءً فَتَقُولُ فَسَا، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا فَسَاوِيٌّ، وَمِنْهَا أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ النَّحْوِيُّ، وَكَانَ سَيِّدُ هَذَا الْمَمْلُوكِ أَوَّلًا مِنْ بَسَا، فَقِيلَ لَهُ الْبَسَاسِيرِيُّ لِذَلِكَ، وَجَعَلَ الْعَرَبُ الْبَاءَ فَاءً فَقِيلَ فَسَاسِيرِيٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute