الْغَلَّاتِ. فَانْحَدَرَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرَفِ الدَّوْلَةِ إِلَى أَوَانَا، وَتَسَلَّمَ أَصْحَابُهُ الْأَنْبَارَ، وَانْتَشَرَتِ الْبَادِيَةُ فِي الْبِلَادِ، وَقَطَعُوا الطُّرُقَاتِ.
وَقَدِمَ إِلَى بَغْدَاذَ دُبَيْسُ بْنُ مَزْيَدٍ، وَخَرَجَ الْوَزِيرُ ابْنُ جَهِيرٍ لِاسْتِقْبَالِهِ، وَقَدِمَ أَيْضًا وَرَّامُ، وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَاذَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ وَرَّامَ، مُقَدَّمُ الْأَكْرَادِ الْجَاوَانِيَّةِ، فَحُمِلَ إِلَى جَرْجَرَايَا، وَفَارَقَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ مُسْلِمٌ بَغْدَاذَ، وَنَهَبَ النَّوَاحِي، فَسَارَ نُورُ الدَّوْلَةِ، وَالْأَكْرَادُ، وَبَنُو خَفَاجَةَ إِلَى قِتَالِهِ.
ثُمَّ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مِنْ دِيوَانِ الْخِلَافَةِ رَسُولٌ مَعَهُ خُلْعَةٌ لَهُ، وَكُوتِبَ بِالرِّضَاءِ عَنْهُ، وَانْحَدَرَ إِلَيْهِ نُورُ الدَّوْلَةِ دُبَيْسٌ، فَعَمِلَ لَهُ شَرَفُ الدَّوْلَةِ سِمَاطًا كَثِيرًا، وَكَانَ فِي الْجَمَاعَةِ الْأَشْرَفُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ فَخْرِ الْمُلْكِ أَبِي غَالِبِ بْنِ خَلَفٍ، كَانَ قَصْدُ شَرَفِ الدَّوْلَةِ مُسْتَجْدِيًا، فَمَضَغَ لُقْمَةً، فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ.
وَحَكَى عَنْهُ بَعْضُ مَنْ صَحِبَهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اقْبِضْنِي، فَقَدْ ضَجِرْتُ مِنَ الْإِضَاقَةِ! فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَرُفِعَ مِنَ السِّمَاطِ خَافَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ أَنْ يَظُنَّ مَنْ حَضَرَ أَنَّهُ تَنَاوَلَ طَعَامًا مَسْمُومًا قُصِدَ بِهِ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَا بَرِحَ مِنْكُمْ أَحَدٌ، وَنَهَضَ وَجَلَسَ مَكَانَ ابْنِ فَخْرِ الْمُلْكِ الْمُتَوَفَّى، وَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَحْسَنَ الْجَمَاعَةُ فِعْلَهُ، وَعَادُوا عَنْهُ وَخَلَعَ عَلَى دُبَيْسٍ وَوَلَدُهُ مَنْصُورٌ وَعَادَ إِلَى حُلَّتِهِ.
وَلَمَّا رَأَى النَّاسُ بِبَغْدَاذَ انْتِشَارَ الْأَعْرَابِ فِي الْبِلَادِ وَنَهْبِهَا، حَمَلُوا السِّلَاحَ لِقِتَالِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَثْرَةِ الْعَيَّارِينَ وَانْتِشَارِ الْمُفْسِدِينَ.
ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ.
كَانَ عَاقِلًا حَلِيمًا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ احْتِمَالًا، وَأَكْثَرِهِمْ كِتْمَانًا لِسِرِّهِ، ظَفِرَ بِمُلَطِّفَاتٍ كَتَبَهَا بَعْضُ خَوَاصِّهِ إِلَى الْمَلِكِ أَبِي كَالِيجَارَ، فَلَمْ يُطْلِعْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا تَغَيَّرَ عَلَيْهِ، حَتَّى أَظْهَرَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لِغَيْرِهِ.
وَحَكَى عَنْهُ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: لَمَّا أَرْسَلَنِي الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ إِلَيْهِ سَنَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute