ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] كَتَبْتُ كِتَابًا إِلَى بَغْدَاذَ أَذْكُرُ فِيهِ سِيرَتَهُ وَخَرَابَ بِلَادِهِ، وَأَطَعْنَ عَلَيْهِ بِكُلِّ وَجْهٍ، فَوَقَعَ الْكِتَابُ مِنْ غُلَامِي، فَحُمِلَ إِلَيْهِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَكَتَمَهُ، وَلَمْ يُحَدِّثْنِي فِيهِ بِشَيْءٍ، وَلَا تَغَيَّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ إِكْرَامِي.
وَكَانَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَيَصُومُ الِاثْنَيْنِ، وَالْخَمِيسَ، وَكَانَ لِبْسُهُ الثِّيَابَ الْبِيَاضَ، وَكَانَ ظَلُومًا، غَشُومًا، قَاسِيًا، وَكَانَ عَسْكَرُهُ يَغْصِبُونَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ، وَأَيْدِيهُمْ مُطْلَقَةٌ فِي ذَلِكَ نَهَارًا وَلَيْلًا.
وَكَانَ كَرِيمًا، فَمِنْ كَرَمِهِ أَنَّ أَخَاهُ إِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ أَسَرَ مِنَ الرُّومِ، لَمَّا غَزَاهُمْ، بَعْضَ مُلُوكِهِمْ فَبَذَلَ فِي نَفْسِهِ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَلَمْ يَقْبَلْ إِبْرَاهِيمُ مِنْهُ وَحَمَلَهُ إِلَى طُغْرُلْبِكْ، فَأَرْسَلَ مِلْكُ الرُّومِ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ مَرْوَانَ حَتَّى خَاطَبَ طُغْرُلْبِكْ فِي فِكَاكِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ طُغْرُلْبِكْ رِسَالَتَهُ أَرْسَلَ الرُّومِيَّ إِلَى ابْنِ مَرْوَانَ بِغَيْرِ فِدَاءٍ، وَسَيَّرَ مَعَهُ رَجُلًا عَلَوِيًّا، فَأَنْفَذَ مَلِكُ الرُّومِ إِلَى طُغْرُلْبِكْ مَا لَمْ يُحْمَلْ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ أَلْفُ ثَوْبٍ دِيبَاجٍ، وَخَمْسُمِائَةِ ثَوْبٍ أَصْنَافٍ، وَخَمْسُمِائَةِ رَأْسٍ مِنَ الْكُرَاعِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْفَذَ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَمِائَةَ لَبِنَةٍ فِضَّةً، وَثَلَاثَمِائَةِ شَهْرِيٍّ، وَثَلَاثَمِائَةِ حِمَارٍ مِصْرِيَّةٍ، وَأَلْفَ عَنْزٍ بَيْضِ الشُّعُورِ، سُودِ الْعُيُونِ وَالْقُرُونِ، وَأَنْفَذَ إِلَى ابْنِ مَرْوَانَ عَشَرَةَ أُمَنَاءَ مِسْكًا، وَعَمَّرَ مَلِكُ الرُّومِ الْجَامِعَ الَّذِي بَنَاهُ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَعَمَّرَ مَنَارَتَهُ، وَعَلَّقَ فِيهِ الْقَنَادِيلَ، وَجَعَلَ فِي مِحْرَابِهِ قَوْسًا وَنَشَّابَةً، وَأَشَاعَ الْمُهَادَنَةَ.
ذِكْرُ مُلْكِ السُّلْطَانِ أَلْب أَرْسَلَانَ.
لَمَّا مَاتَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبِكْ عَمِيدُ الْمُلْكِ الْكُنْدُرِيُّ فِي السَّلْطَنَةِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ جُغْرِي بِكْ، أَخِي السُّلْطَانِ طُغْرُلْبِكْ، وَكَانَ طُغْرُلْبِكْ قَدْ عَهِدَ إِلَيْهِ بِالْمُلْكِ، وَكَانَتْ وَالِدَةُ سُلَيْمَانَ عِنْدَ طُغْرُلْبِكْ، فَلَمَّا خُطِبَ لَهُ بِالسَّلْطَنَةِ اخْتَلَفَ الْأُمَرَاءُ، فَمَضَى بَاغِي سِيَانَ وَأَرْدَمُ إِلَى قَزْوِينَ، وَخَطَبَا لِعَضُدِ الدَّوْلَةِ أَلْب أَرْسَلَانَ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ جُغْرِي بِكْ، وَهُوَ حِينَئِذٍ صَاحِبُ خُرَاسَانَ، وَمَعَهُ نِظَامُ الْمُلْكِ وَزِيرُهُ، وَالنَّاسُ مَائِلُونَ إِلَيْهِ. فَلَمَّا رَأَى عَمِيدُ الْمُلْكِ الْكُنْدُرِيُّ انْعِكَاسَ الْحَالِ عَلَيْهِ أَمَرَ بِالْخُطْبَةِ بِالرَّيِّ لِلسُّلْطَانِ أَلْب أَرْسَلَانَ، وَبَعْدَهُ لِأَخِيهِ سُلَيْمَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute