فَإِنَّ غَدًا وَبَعْدَ غَدٍ لَرَهْنٌ ... لِأَمْرٍ مَا يُقَامُ لَهُ عَظِيمِ
جَسِيمًا مَا بَكَيْتُ بِهِ كُلَيْبًا ... إِذَا ذُكِرَ الْفِعَالُ مِنَ الْجَسِيمِ
سَأَشْرَبُ كَأْسَهَا صِرْفًا ... وَأَسْقِي بِكَأْسٍ غَيْرِ مِنْطَقَةٍ مُلِيمِ
وَلَمَّا قَتَلَ جَسَّاسٌ كُلَيْبًا انْصَرَفَ عَلَى فَرَسِهِ يُرْكِضُهُ وَقَدْ بَدَتْ رُكْبَتَاهُ، فَلَمَّا نَظَرَ أَبُوهُ مَرَّةً إِلَى ذَلِكَ قَالَ: لَقَدْ أَتَاكُمْ جَسَّاسٌ بِدَاهِيَةٍ، مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ بَادِيَ الرُّكْبَتَيْنِ إِلَى الْيَوْمِ! فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ قَالَ: مَا لَكَ يَا جَسَّاسُ؟ قَالَ: طَعَنْتُ طَعْنَةً يَجْتَمِعُ بَنُو وَائِلٍ غَدًا لَهَا رَقْصًا. قَالَ: وَمَنْ طَعَنْتَ؟ لِأُمِّكِ الثُّكْلُ! قَالَ: قَتَلْتُ كُلَيْبًا. قَالَ: أَفَعَلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: بِئْسَ وَاللَّهِ مَا جِئْتَ بِهِ قَوْمَكَ! فَقَالَ جَسَّاسٌ:
تَأَهَّبْ عَنْكَ أُهْبَةَ ذِي امْتِنَاعٍ ... فَإِنَّ الْأَمْرَ جَلَّ عَنِ التَّلَاحِي
فَإِنِّي قَدْ جَنَيْتُ عَلَيْكَ حَرْبًا ... تُغِصُّ الشَّيْخَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ
فَلَمَّا سَمِعَ أَبُوهُ قَوْلَهُ خَافَ خِذْلَانَ قَوْمِهِ لِمَا كَانَ مِنْ لَائِمَتِهِ إِيَّاهُ، فَقَالَ يُجِيبُهُ:
فَإِنْ تَكُ قَدْ جَنَيْتَ عَلَيَّ حَرْبًا ... تُغِصُّ الشَّيْخَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ
جَمَعَتْ بِهَا يَدَيْكَ عَلَى كُلَيْبٍ ... فَلَا وَكْلٌ وَلَا رَثُّ السِّلَاحِ
سَأَلْبَسُ ثَوْبَهَا وَأَذُودُ عَنِّي ... بِهَا عَارَ الْمَذَلَّةِ وَالْفَضَاحِ
ثُمَّ إِنَّ مُرَّةَ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى نُصْرَتِهِ، فَأَجَابُوهُ وَجَلُوا الْأَسِنَّةَ وَشَحَذُوا السُّيُوفَ وَقَوَّمُوا الرِّمَاحَ وَتَهَيَّأُوا لِلرِّحْلَةِ إِلَى جَمَاعَةِ قَوْمِهِمْ.
وَكَانَ هَمَّامُ بْنُ مُرَّةَ أَخُو جَسَّاسٍ، وَمُهَلْهِلٌ أَخُو كُلَيْبٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَشْرَبَانِ، فَبَعَثَ جَسَّاسٌ إِلَى هَمَّامٍ جَارِيَةً لَهُمْ تُخْبِرُهُ الْخَبَرَ، فَانْتَهَتْ إِلَيْهِمَا وَأَشَارَتْ إِلَى هَمَّامٍ، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ لَهُ مُهَلْهِلٌ: مَا قَالَتْ لَكَ الْجَارِيَةُ؟ وَكَانَ بَيْنَهُمَا عَهْدٌ أَلَّا يَكْتُمَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ شَيْئًا، فَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَتِ الْجَارِيَةُ، وَأَحَبَّ أَنْ يُعْلِمَهُ ذَلِكَ فِي مُدَاعَبَةٍ وَهَزْلٍ، فَقَالَ لَهُ مُهَلْهِلٌ: اسْتُ أَخِيكَ أَضْيَقُ مِنْ ذَلِكَ! فَأَقْبَلَا عَلَى شُرْبِهِمَا، فَقَالَ لَهُ مُهَلْهِلٌ: اشْرَبْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute