وَوَلِيَ تَمِيمُ بْنُ الْمُعِزِّ بَعْدَ أَبِيهِ، فَاسْتَبَدَّ كُلُّ مَنْ هُوَ بِبَلَدٍ وَقَلْعَةٍ بِمَكَانِهِ وَتَمِيمٌ صَابِرٌ يُدَارِي وَيَتَجَلَّدُ.
وَاتَّصَلَ بِتَمِيمٍ أَنَّ النَّاصِرَ بْنَ عَلْنَاسَ يَقَعُ فِي مَجْلِسِهِ وَيَذُمُّهُ، وَأَنَّهُ عَزَمَ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَيْهِ لِيُحَاصِرَهُ بِالْمَهْدِيَّةِ، وَأَنَّهُ قَدْ حَالَفَ بَعْضَ صَنْهَاجَةَ، وَزَنَاتَةَ، وَبَنِي هِلَالٍ لِيُعِينُوهُ عَلَى حِصَارِ الْمَهْدِيَّةِ. فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ بَنِي رَبَاحٍ، فَأَحْضَرَهُمْ إِلَيْهِ وَقَالَ: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَهْدِيَّةَ حِصْنٌ مَنِيعٌ، أَكْثَرُهُ فِي الْبَحْرِ، لَا يُقَاتِلُ مِنْهُ فِي الْبَرِّ غَيْرُ أَرْبَعَةِ أَبْرَاجٍ يَحْمِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَإِنَّمَا جَمَعَ النَّاصِرُ هَذِهِ الْعَسَاكِرَ إِلَيْكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: الَّذِي تَقُولُهُ حَقٌّ، وَنُحِبُّ مِنْكَ الْمَعُونَةَ، فَأَعْطَاهُمُ الْمَالَ، وَالسِّلَاحَ مِنَ الرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ وَالدُّرُوعِ وَالدَّرَقِ، فَجَمَعُوا قَوْمَهُمْ، وَتَحَالَفُوا، وَاتَّفَقُوا عَلَى لِقَاءِ النَّاصِرِ.
وَأَرْسَلُوا إِلَى مَنْ مَعَ النَّاصِرِ مِنْ بَنِي هِلَالٍ يُقَبِّحُونَ عِنْدَهُمْ مُسَاعَدَتَهُمْ لِلنَّاصِرِ وَيُخَوِّفُونَهُمْ مِنْهُ إِنْ قَوِيَ، وَأَنَّهُ يُهْلِكُهُمْ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ زَنَاتَةَ وَصِنْهَاجَةَ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَسْتَمِرُّ لَهُمُ الْمُقَامُ، وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْبِلَادِ، إِذَا تَمَّ الْخُلْفُ وَضَعُفَ السُّلْطَانُ، فَأَجَابَهُمْ بَنُو هِلَالٍ إِلَى الْمُوَافَقَةِ، وَقَالُوا: اجْعَلُوا أَوَّلَ حَمْلَةٍ تَحْمِلُونَهَا عَلَيْنَا، فَنَحْنُ نَنْهَزِمُ بِالنَّاسِ، وَنَعُودُ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ لَنَا ثُلْثُ الْغَنِيمَةِ، فَأَجَابُوهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ.
وَأَرْسَلَ الْمُعِزُّ بْنُ زِيرِي الزَّنَاتِيُّ إِلَى مَنْ مَعَ النَّاصِرِ مِنْ زَنَاتَةَ بِنَحْوِ ذَلِكَ، فَوَعَدُوهُ أَيْضًا أَنْ يَنْهَزِمُوا، فَحِينَئِذٍ رَحَلَتْ رِيَاحٌ وَزَنَاتَةُ جَمِيعُهَا، وَسَارَ إِلَيْهِمُ النَّاصِرُ بِصَنْهَاجَةَ، وَزَنَاتَةَ، وَبَنِي هِلَالٍ، فَالْتَقَتِ الْعَسَاكِرُ بِمَدِينَةِ سَبْتَةَ، فَحَمَلَتْ رِيَاحٌ عَلَى بَنِي هِلَالٍ، وَحَمَلَ الْمُعِزُّ عَلَى زَنَاتَةَ، فَانْهَزَمَتِ الطَّائِفَتَانِ، وَتَبِعَهُمْ عَسَاكِرُ النَّاصِرِ مُنْهَزِمِينَ، وَوَقَعَ فِيهِمُ الْقَتْلُ، فَقُتِلَ فِيمَنْ قُتِلَ الْقَاسِمُ بْنُ عَلْنَاسَ، أَخُو النَّاصِرِ، وَكَانَ مَبْلَغُ مَنْ قُتِلَ مِنْ صَنْهَاجَةَ وَزَنَاتَةَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَسَلِمَ النَّاصِرُ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، وَغَنِمَتِ الْعَرَبُ جَمِيعَ مَا كَانَ فِي الْعَسْكَرِ مِنْ مَالٍ وَسِلَاحٍ وَدَوَابَّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَاقْتَسَمُوهَا عَلَى مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute